اشار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، خلال افطار رمضاني في معراب، الى انه "نلتقي هذه السّنة والشّرق الأوسط ليس بخيرٍ أبداً، كما ان المنطقة العربيّة مثخنةٌ بالجروح في جسمها الذي ينوء أصلاً بالأوجاع، اذ ان المنطقة تعاني من المحيط إلى الخليج، من سوريا التي لا ندري كم إنّها ما زالت عربيّةً، في ظل هذا النظام، مروراً بالعراق العزيز الذي يتخبّط بأزماتٍ عدّة، واليمن الذي يخوض الآخرون حروباً على حساب شعبه، إلى السودان الذي تمزّقه حربٌ داخليّةٌ لا هوادة فيها. أمّا ما يحصل في غزّة، منذ نحو ستّة أشهرٍ، فقد فاق سائر أزمات المنطقة، بل وأكاد أقول أزمات العالم كلّه، وحشيّةً وعنفاً وقتلاً ودماراً، وهو ما يتجلّى بحالاتٍ مأسويّةٍ وممارساتٍ تسترخص حياة الأطفال والنساء والرجال وترقى أحياناً إلى حدّ إبادة عائلاتٍ بأكملها، الى حدِّ ابادة جماعية، في انتهاكٍ صارخٍ لحقّ الإنسان بالحياة أوّلاً، وقبل أيّ حقوقٍ أخرى".

واذ شدد على أن "الهدف المعلن لحرب غزّة هو القضاء على حركة حماس، لكن الصحيح أن الهدف المضمر الذي تردّدت الإشارة إليه مرّاتٍ عدّة إلى حدّ أنّه لم يعد مضمراً تماماً، هو تهجير أهالي غزّة"، رأى جعجع ان "الجانب الإيجابيّ (إن صحّ التّعبير) هذه المرّة، وعلى رغم الأهوال الحاصلة، هو أنّ دول العالم قاطبةً، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، تتعاطف مع الواقع الإنسانيّ لشعب غزّة، وتحاول يوميّاً المساعدة، ولو أنّها تحرص على عدم حرق أصابعها"، معتبرًا أن "الأهمّ من الجانب الإنسانيّ، هو أنّ العالم كلّه، ومن ضمنه الأميركيّون، يرفض أيّ تهجيرٍ أيّاً كانت المبررات".

واعتبر جعجع ان "في خضمّ هذه المأساة الإنسانيّة والاستحقاقات الوطنيّة الحاسمة التي يواجهها الفلسطينيون، استمرّ البعض في محاولة استغلال القضيّة الفلسطينية أبشع استغلالٍ، وإطلاق الشعارات الخادعة. فقد أطلق كلامٌ كثير منذ أشهرٍ بل منذ سنواتٍ، على ما سمّي وحدة الساحات، فصال وجال أصحابه طولا وعرضا، وهم يدعون إلى وحدة الساحات. إنّ المنطق البسيط، لو صدق أصحاب هذه الشّعارات، يفيد بأنّ وحدة الساحات تعني عمليّاً وموضوعيّاً، أنّه كان ينبغي في 8 تشرين الأول أو في 9 أو في 10 على الأكثر، أن تشتعل الجبهات كلّها جدّيّاً وليس لرفع العتب، لمساندة غزّة، بدءاً من إيران، مروراً بكلّ أذرعها في المنطقة. بينما ما شهدنا حتّى الآن هو تملّصٌ تامّ من قبل إيران، ممّا يجري في غزّة، واستعمال الحدّ الأدنى من أذرعها لمجرّد القول إنّنا هنا. فبأيّ منطقٍ يمكن القبول بأن تعني وحدة الساحات إطلاق بعض القذائف على سفنٍ تعبر البحر الأحمر، والتضحية بآخر فلسطينيٍّ، واستطراداً بمن وما بقي في لبنان، في مواجهة آلة الحديد والنّار الإسرائيليّة الهائلة؟".

ولفت الى ان "ما نشهد في سياق وحدة الساحات وفق المفهوم الإيراني، هو مجرد تدخلٍ محدودٍ للحفاظ على تأثير إيران ونفوذها الإقليميّ، وليس أبداً لنصرةٍ فعليّةٍ لأهالي غزّة، أو لخطوة فعلية على طريق القدس، لأن السير الفعلي على هذه الطريق يستلزم تجييش طاقات إيران كلّها مع أذرعها كاملةً في خدمة المعركة، وهو ما يناقض الواقع عمليّاً".

أمّا لجهة "ما يعنينا مباشرةً في لبنان ولا سيّما في الجنوب"، فسأل عن صاحب قرار الحرب"، مشيرا الى ان "الأمور لو انتهت فحسب على ما هي عليه اليوم، نكون قد تكبّدنا ما بين 350 و400 ضحيّة، فضلاً عن دمار عشرات القرى، وخسائر اقتصاديّةٍ مباشرة تفوق الملايين من الدولارات، وخسائر غير مباشرةٍ لا أحد يستطيع تقديرها بدقّة". واذ اكد ان "من اتّخذ القرار بتوريط لبنان، عليه أن يتحمّل المسؤوليّة والتّبعات"، ذكّر جعجع "بأنّ الحكومة هي أيضاً تتحمّل المسؤولية كاملةً بما يعود لها، من عدم ترك البلاد ساحةً مستباحةً لكلّ صاحب مصلحةٍ، لأنّها الحكومة الشرعيّة الموجودة، ولو أنّها حكومة تصريف أعمال".

وتابع "إذا كان البعض يقول إنّ محور الممانعة يتحمّل المسؤولية، وهذا صحيحٌ، لكنّ الأكيد أنّ كلّ من تحالف مع محور الممانعة وشارك بتشكيل هذه الحكومة كما هي، يتحمّل المسؤوليّة بالتوازي، لأنّ مشروع الممانعة، لم يكن سريا في أي وقت من الأوقات، فتصرفاتها معروفةٌ وممارساتها واضحةٌ، وهذا ما يتجلّى في الموقف الذي اتّخذته الحكومة من الحرب القائمة. من جهةٍ أخرى، يتّضح أنّ جانباً من الخلل يتمثّل بتعطيل الاستحقاق الرئاسيّ وما يعنيه من تخبّطٍ حكوميٍّ في ظلّ تغييب رئيسٍ للجمهورية."

واعاد رئيس "القوات" التذكير بـ"المادة 73 من الدستور اللبنانيّ والتي تنصّ حرفيّاً على ما يلي: "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة بمدّة شهرٍ على الأقلّ و شهرين على الأكثر، يلتئم المجلس بناءً على دعوةٍ من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض، فإنّه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس".

وقال:" انطلاقا من هنا، الدستور واضحٌ وضوح الشمس، أمّا الواقع، فهو أنّه كان لدينا خلال المهلة الدّستوريّة وحتى نهايتها مرشّحٌ معلنٌ، بينما لم يكن لدى محور الممانعة أيّ مرشّحٍ بعد، بل إنّ هذا المحور بادر إلى تعطيل الجلسات ومقاطعتها منذ اللحظة الأولى وبعد الدورة الأولى لأنّه يعلم أنّه يستحيل انتخاب رئيسٍ فيها بأغلبيّة الثلثين. وبعد ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية واصلت جماعة الممانعة التعطيل بالأسلوب نفسه، لأنّهم لم يستطيعوا جمع الأصوات الكافية لانتخابه، وما زالوا يعطّلون الجلسات حتّى اللحظة للسّبب نفسه، ويرفضون في الوقت عينه إتاحة الفرصة أمام ايّ مرشّحٍ آخرٍ بالوصول إلى الرئاسة. ومن باب تغطية السّماوات بالقبوات، دأبوا حتى الآن وليل نهار، على الدعوة إلى الحوار، علماً أنّ الحوار الجديّ بدأ بين الكتل كافّةً في الغرف المغلقة مع بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيسٍ، لكنّه لم يؤدّ إلى نتيجةٍ نظراً للتّباين الكبير في النّظرة الى الأمور بين الممانعة والمعارضة".

ورأى ان "المعارضة تريد رئيساً يعيد بناء الدولة وإرساء سيادتها وينكبّ على الإصلاحات المطلوبة، أمّا الممانعة فتريد رئيساً يؤمّن استمرار الواقع السائد، أي قليلاً من الدولة، أو مظاهر دولة، يستمرّ في ظلّها تغييب السيادة والدستور لتمكين حزب الله من الاستمرار في مصادرة قرار السّلم والحرب كما هو حاصلٌ في الوقت الحاضر، فيستمرّ في ظلّها التهريب والفساد على أنواعه ارضاء لحلفاء حزب الله وحفاظا عليهم".

واضاف: "في المنطق، ولسببٍ أولى، عندما لا يستطيع الفرقاء الاتفاق على أمرٍ ما، يذهبون تلقائياً إلى الانتخابات، وهذا ما دأبت المعارضة عليه، أمّا في ما يتعلّق بما يدعون إليه من حوارٍ، فلا بدّ من التوقّف عند الملاحظات الآتية: أوّلاً: متى كان فريق الممانعة فريق حوار؟ والمثال الأبرز والأجدد على ذلك هو ما يحصل في الجنوب في الوقت الحاضر. أيّ الأمرين أجدى بالحوار؟ أليس قرار الحرب والسّلم؟ فالذهاب إلى حربٍ، وكما هو معروفٌ في بلدان الكون بأسرها، أنّ الحكومة التي تريد خوض حربٍ ما، تتشاور مع المعارضة وتبادر الى حوارٍ وطنيٍّ، فهل طرح محور الممانعة أمراً بهذه الخطورة والحساسيّة بالدعوة إلى الحوار حوله؟ أو أقلّه هل طرح هذا الأمر لحوارٍ ما مع حلفائه أقلّه على طاولة مجلس الوزراء؟ ثانياً: إنّ كلّ حوارٍ ممكنٍ حول الاستحقاق الرئاسيّ قد حصل إمّا مباشرةً أو عبر فريقٍ ثالثٍ، من دون أيّ نتيجة، لأنّ فريق الممانعة رفض خيار المرشّح الثالث ويريد حواراً على مرشحّه حصراً".

وأوضح أن "هذا ليس حواراً، إنّه إذعانٌ، وهذا ما ترفضه شريحة واسعة من اللبنانيين ممثلة بالمعارضة السيادية، واللافت أنّ ما يدعو إليه الفريق الآخر، ليس مجرد حوارٍ، بل طاولة حوارٍ رسميّةٌ برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري أو من يمثّله، على أن يضع هو نفسه آليّة الحوار". ووصف جعجع هذا الأمر "بالمخالفة الفاضحة للدستور الذي يدعو إلى انتخاباتٍ، كما يدعو الى انتخاباتٍ نيابيةٍ او انتخاب رئيسٍ للمجلس أو اختيار رئيسٍ للحكومة، فضلا عن المخالفة الكبرى التي تتمثّل بخلق أعرافٍ تتخطّى الدستور، ولن نقبل بها، وإلا نصبح عندها أمام وجوب أن تمرّ الأمور كلّها برئيس المجلس، بغضّ النظر عمّا إذا كان ذلك يتوافق معً صلاحيّاته الدستوريّة أم لا". لذا شدد على ان ""القوات اللبنانية" لم تتوقّف عن الحوار السّليم في أيّ لحظةٍ، والدليل الأبرز هو قبولها الفوريّ بمبادرة تكتّل الاعتدال الوطنيّ، لأنّها توفّر حواراً جديّاً ولا تبتدع أعرافاً وسوابق دستوريّة".

وجدد التأكيد "انه، بالنسبة إلى حرب الاستنزاف في الجنوب، على الحكومة العمل فوراً إلى تطبيق القرار 1701، لأنّ لنا مصلحةً في ذلك، ويترافق ذلك مع انتشار الجيش اللبنانيّ على طول الحدود اللّبنانيّة الجنوبيّة، فيؤمّن الدفاع عن كلّ شبرٍ من الارض اللبنانية، ولا سيما ان الجميع خلفه، كما الدول العربية والعالم أجمع، يدعمه ويؤازره". اما في ما خصّ الاستحقاق الرئاسيّ، فجزم انه "ثمّة حل وحيد لا حلّان، يكمن في دعوة رئيس المجلس النيابي، وبعد كلّ هذا التأخير، إلى جلسةٍ مفتوحةٍ بدوراتٍ متتالية، وحتماً سيكون لنا رئيسٌ في الدورات التالية سواء كانت ثانيةً أو ثالثة او رابعة".