على وقع الإنشغال اللبناني بالأوضاع العسكرية القائمة على الجبهة الجنوبية، التي تأتي بالتزامن مع إستمرار أزمة الشغور الرئاسي، برزت، في الأيام الماضية، الإتهامات التي وجهت إلى بيروت، من قبل السلطات القبرصية، بتصدير أزمة النزوح السوري، بعد وصول العديد من النازحين، بطريقة غير شرعية، إلى الجزيرة الأوروبية.

هذه الإتهامات، التي جاءت بالتزامن مع دعوة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس المفوضية الأوروبية، لاتخاذ إجراء قوي لوقف التدفق الكبير للاجئين الذين يصلون عن طريق البحر عبر لبنان، كانت محل متابعة من قبل السلطات المحلية. إلا أن مسار الأزمة الحالي كان معروفاً منذ أشهر، أي تاريخ إرتفاع حركة النزوح نحو لبنان بشكل كبير، نظراً إلى أن جميع المتابعين كانوا يدركون أنها ستكون مقدمة لأخرى غير شرعية نحو أوروبا. وبالتالي كان مع الطبيعي، مع تحسن الظروف المناخية، أن تعود مراكب الهجرة إلى الإبحار.

في هذا الإطار، تشدّد مصادر لبنانية متابعة، عبر "النشرة"، على عدم القدرة على تحميل بيروت مسؤولية ما يحصل، خصوصاً أنها تقوم بكل ما يلزم، وفق الإمكانات المعروفة، لمنع حركة الهجرة غير الشرعية، إلا أنه في المقابل لا يمكن أن يطلب منها وحدها التصدّي لهذه الظاهرة، خصوصاً أنها ليست مسؤولة عن بقاء الأزمة من دون معالجة كل هذا الوقت، بل على العكس سعت، في أكثر من مناسبة، إلى الذهاب لحلول جذرية، لكنها منعت من ذلك.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الجانب الأوروبي يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، خصوصاً أنه في كل مرة كان يرفع الفيتوات التي تحول دون مبادرة بيروت إلى الحلول العملية، تحت عنوان الدفاع عن حقوق الإنسان، وتذكر بالقرار الذي كان قد صدر عن البرلمان الأوروبي، الذي كان قد صوت، في شهر تموز من العام الماضي، بأغلبية ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان.

وتشير المصادر نفسها إلى أنها تتفهم المخاوف القبرصيّة في هذا المجال، إلا أنه في المقابل من الضروري التأكيد على أن المشكلة ليست لدى الجانب اللبناني، الذي هو أيضاً من ضحايا الأزمة المستمرة منذ العام 2011، وبالتالي من الأفضل البحث عن الحلول التي تعيد النازحين إلى بلدهم، وترى أن البوابة قد تكون من خلال ما كانت قد طرحته قبرص، في وقت سابق، لناحية الطلب من الاتحاد الأوروبي بأن يفكر في إعلان أجزاء من سوريا مناطق آمنة، تمهيداً لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.

إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن الحل العملي هو بالمبادرة إلى حوار ثنائي، بين الجانبين القبرصي واللبناني، يكون مقدمة نحو تفعيل الاتصالات مع الدول المعنية في الإتحاد الأوروبي، من أجل العمل على وضع حلول منطقية، بدل الإكتفاء برمي المسؤولية على بيروت، التي ليس لديها ما يمكن أن تقدمه على هذا الصعيد، بالرغم من الجهود المستمرّة للحد من أزمة الهجرة غير الشرعية، وتضيف: "لا يمكن التعامل مع هذه الأزمة، على قاعدة أن لبنان عليه أن يتحمل الأعباء فقط".

في المحّصلة، تقلّل هذه المصادر من جدّية الحديث عن أزمة دبلوماسيّة مع قبرص، في الوقت الراهن، بسبب مشكلة الهجرة، على قاعدة أن الجزيرة الأوروبية تدرك جيداً الواقع اللبناني، وهي سبق أن ناقشت هذا الملف في العديد من المسؤوليين اللبنانيين، لكنها في المقابل تدعو إلى إغتنام هذه الفرصة، للضغط نحو الذهاب إلى الحلول الجدية، على قاعدة أن هناك مصلحة مشتركة في هذا الأمر، ونيقوسيا قادرة على الضغط أكثر لدى الجانب الأوروبي.