ما كان يقال في السر، بات يقال في العلن، وما كان يتم الحديث عنه من قبل الناس، اصبح على لسان المسؤولين اللبنانيين... غرق لبنان في بحر النازحين السوريين لم يعد مجرد كلام في الهواء، وخطورة هؤلاء على هوية لبنان وحياة اللبنانيين فيه، اصبح حقيقة لا مفرّ منها، ولكن كيف يجب معالجة هذه المشكلة الكبيرة، ووفق اي مسار يجب اخذ الامور؟ بداية، لا بد من التسليم بأن القاء اللوم على هذا او ذاك لم يعد ينفع، اذ على الرغم من صحة ما يقوله البعض من ان اطرافاً لبنانية مسيحيّة ومسلمة على حد سواء، رأت في القوافل الاولى من النزوح السوري مصلحة لها على حساب غيرها من الاطراف، فإن القارب اللبناني يحوي الجميع وغرقه سيطال الجميع، وبالتالي لن ينفع القاء التهم وإبراز من كان على حق ومن أخطأ.

اليوم، صدر كلام عن وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الاعمال عصام شرف الدين الذي قال: "... يجب التحرك واخذ القرار في ملف المخيمات التي تحتوي على عشرين الف مسلّح جاهزون للقتال". قد يكون هذا الموقف مرّ مرور الكرام بالنسبة الى البعض، ولكن هذا لا ينفي انه كلام على قدر كبير من الخطورة، ويجب التعامل معه على هذا الاساس.

مصادر امنية شرحت المعضلة التي تواجهها القوى الامنية (وفي مقدمها الجيش اللبناني) للتعامل مع هذا الواقع، وتحدثت بحرية بعد ان تأكدت عدم ذكر الاسماء، فقالت إن الجيش امام معضلة حقيقية فمن ناحية تطلب منه الدول الكبرى ضمان سلامة النازحين السوريين وتتوقع منه القيام بذلك من دون تردد، ومن ناحية اخرى ليس هناك من مجال للشك ان وجود النازحين يشكّل خطراً على اللبنانين انفسهم.

وتابعت المصادر بالتشديد على ان الحل لن يكون بالتأكيد استهداف جميع النازحين اينما وجدوا وبغض النظر عمن هو بريء ومن هو مذنب، وجزمت بأن الطريقة التي يتعاطى بها بعض اللبنانيين مع هذه المسألة اكثر خطورة من تواجد النازحين، لانها عملياً تؤدي الى زعزعة الاستقرار في كل المناطق اللبنانية ولن يكون بقدرة الجيش او القوى الامنية السيطرة على الوضع، في ظلّ الاعتراف الرسمي وغير الرسمي بوجود سلاح مع قسم مهم من السوريين، مع كل ما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية على الوضع اللبناني.

وتشتكي المصادر الامنية من ان الطلبات كثرت على الجيش في الآونة الاخيرة، فتم الطلب اليه الاستعداد لتكثيف حضوره في الجنوب فور التوصل الى اي تسوية، والاستمرار في مهام حفظ الامن وضرب الخلايا الارهابية اينما وجدت، وها هو اليوم امام امتحان جدّي آخر يتمثل في حماية النازحين السوريين من "غضب" اللبنانيين، وحماية اللبنانيين ايضاً من خطر السوريين.

وحذّرت المصادر نفسها من ان كل "الحركات" التي تدعو الى الاعتداء على جميع النازحين، سيكون لها مفعول عكسي، وان الجيش والقوى الامنية سيعملان على تطويق هذه الاحداث رغم الامكانات الضئيلة، مصحوبة بدعم خارجي اساسي في هذا المجال. ورأت ان الحل الامثل حالياً للمشكلة، يكمن في التعامل معهم على غرار الدول الاخرى، اي وضعهم في مخيمات واماكن جغرافية محددة يسهل فيها حمايتهم من جهة، ومنع اصحاب السوابق و"الزعران" منهم من المغادرة، في شكل مشابه تقريباً للمخيمات الفلسطينية. واذ تعترف المصادر ان هذا الحل ليس مثالياً، وهو موقت في انتظار الحل الصحيح اي عودتهم الى بلادهم، فإنها اكدت ان هذا الاقتراح سيبقى من دون آذان صاغية، لان جميع المسؤولين الحزبيين والسياسيين لن يوافقوا عليه، علماً انهم لا يفوّتون مناسبة او فرصة للدعوة الى حل مشكلة النازحين، ولكنهم عندما يحين وقت الجدّ، تراهم يتراجعون ويتحججون بألف عذر وحجة.

وتختم المصادر بالقول ان البلد قد يشهد بعض المشاكل الامنية المتفرقة، ولكنها ستكون لمدة محدودة وسيكون العمل جدياً لمنع انتشار الفوضى.