بعد نجاح الولايات المتحدة الأميركية بكبح جماح رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو تجاه إيران، وجعل الرد على الضربة الإيرانية خجولاً ولا يؤدي الى التصعيد، كشفت زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى فرنسا أن الرئيس الفرنسي ماكرون يسعى الى إعادة تحريك ملف الورقة الفرنسية التي تهدف الى خفض التصعيد ووقف المواجهات على الجبهة اللبنانية.

عندما قُدمت الورقة الفرنسية في بيروت قرأ فيها الكثير من المسؤولين اللبنانيين مطالب اسرائيلية بحتة تتعلق بطبيعة الصراع ومكانة حزب الله كمقاومة في الجنوب، وكانت تطلب ابتعاد الحزب جنوباً حتى حدود النهر الليطاني، لذلك تم التعاطي مع الورقة على أنها اسرائيلية الصنع، وتم الرد عليها رسمياً من خلال الحكومة اللبنانية وعبر وزارة الخارجية بسياق الاحترام الدبلوماسي فقط، إذ تضمن الرد نقاطاً عامة أبرزها تمسك لبنان بتطبيق القرار الدولي 1701 من الطرفين أي لبنان واسرائيل، وتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.

يومها كان واضحاً أن الفرنسيين يتحركون بمعزل عن الأميركيين، ولذلك لم يُكتب للمحاولة الفرنسية النجاح أو حتى وضعها ضمن سلم اولويات لبنان لإنهاء الحرب، عندها تحرك الفرنسيون مجدداً بعد لقاءاتهم مع الأميركيين، فعدّلت باريس في مضمون ورقتها وقدمتها مجدداً الى لبنان خلال زيارة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزاف عون الى باريس منذ أيام.

تُشير المصادر الى ان ميقاتي تلمّس رغبة الفرنسيين بعدم الخروج من الصورة، كاشفة أن الاهتمام الفرنسي بلبنان مصدره الرئيس الفرنسي شخصياً، لذلك عمل ماكرون على مقاربة المسائل الثلاث الأساسية في هذه المرحلة، الحرب، الرئاسة وملف النازحين السوريين.

بما يتعلق بالحرب فقد قُدم الى لبنان ورقة فرنسية جديدة معدلة، وجديدها بحسب المصادر آلية عمل فرنسية تتعلق بتطبيق القرار 1701 من قبل الطرفين، ولو أن الآلية مقسمة على مراحل زمنية تبدأ بوقف الأعمال العسكرية وتنتهي بمسألة الحدود، وتُشير المصادر الى أن الفرنسيين على عكس الأميركيين يتمسكون بمسألة فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة لناحية التفاوض، وهو ما لن يكون متاحاً حيث أن جواب حزب الله غير المباشر على هذه المسألة كان واضحاً على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الذي أعاد التأكيد على أن الجبهة في لبنان مرتبطة بجبهة غزة ارتباطاً كاملاً، وهذا ما تؤكده مصادر مطلعة على موقف الحزب، حيث تُشير عبر "النشرة" الى أن حزب الله لم يبدل موقفه منذ اليوم الأول، والّذي بات يتكرر على لسان كل المسؤولين في المحور، وأساسه ان وقف الحرب في غزة يفرض الهدوء على كل باقي الجبهات، لذلك ليس من المنطقي اليوم بعد مرور 6 أشهر على الحرب أن يُطرح فصل الجبهات.

وضمن نقطة الحرب أيضاً يأتي الدعم الفرنسي المنوي حشده للجيش اللبناني حيث سيكون الجيش لاعباً أساسياً في المرحلة الأولى من مراحل الورقة الفرنسية، لذلك يبدو أن الفرنسيين يحضرون الأرضيّة لمرحلة وقف الحرب من خلال دعم المؤسسة العسكريّة.

النقطة الثانية تتعلق بانتخابات الرئاسة حيث يبدو بحسب المصادر أن الفرنسيين باتوا أقرب الى إسم جوزاف عون على اعتبار أنه سيكون رجل المرحلة من الجيش الى بعبدا، وفي النقطة الثالثة ملف النازحين حيث تكشف المصادر أن الفرنسيين وعدوا رئيس حكومة تصريف الاعمال باتخاذ بعض التدابير في هذا الخصوص، علماً أن تحريك ملف النازحين في اوروبا مردّه الى قلق الأوروبيين من الهجرة التي تحصل في البحر وتحديداً الى قبرص وإيطاليا واليونان.

وهنا تكشف المصادر أنّ ملفّ النازحين لا يحتاج الى قرار أوروبي بقدر حاجته الى قرار أميركي، مستبعدة أن يشهد في الفترة المقبلة تطورات نوعية بسبب استمرار رفض الأميركيين عودتهم.