لم يكن هناك من مفاجأة، ولو بسيطة، في القرار الذي اتخذه النواب (المنتخبون من الشعب) لجهة التمديد للبلديات والمخاتير لمدة عام. وعلى الرغم من كل ما قيل على لسان غالبية المسؤولين والقوى السياسية والحزبية، كان قرار إعدام هذه الانتخابات قد اتُّخذ قبل تقديمها الى المحاكمة تحت قبة البرلمان لمعرفة مصيرها.

في السياسة، كان واضحاً ان الوضع المتردي في الجنوب بفعل الاعتداءات الاسرائيلية، كفيل وحده بتقديم خيار التمديد، ولم يكن هناك من المقبول التفاوض على خيار التأجيل، فرئيس مجلس النواب نبيه بري كان واضحاً في عدم فصل الجنوب عن باقي المناطق اللبنانية في الاستحقاق الانتخابي، تماماً كوضوح حزب الله في عدم فصل الوضع في الجنوب عن الوضع في غزة، وبالتالي لم يكن هناك من مجال للشك في ان ما يريده بري يحصل عليه، وبالطرق القانونيّة بطبيعة الحال. وعليه، كانت الأوضاع العسكرية المؤسفة في الجنوب اول أسباب التمديد.

اما في الملف العمليّ، فلم يكن خفياً ايضاً ان الانتخابات لا يمكن اجراؤها بسبب عدم جهوزية وزارة الداخلية والبلديات من جهة، والمحافظين والقائمقامين والعائلات والامن من جهة ثانية. فعلى الرغم من كل النوايا والتمنيات التي صدرت عن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال بسام المولوي، وتأكيداته المتكررة بأن الوزارة على اتمّ الجهوزية لاجراء الانتخابات في موعدها، فإن النوايا لا تصنع الانتخابات. وباعتراف كل القوى السياسية، كانت الوزارة مقصّرة في عملها التحضيريّ. واذا وضعنا جانباً ما يردده الأحزاب والتيارات السياسية في السرّ وما قاله النائب جبران باسيل في العلن حول مؤشرات عدم جهوزية الوزارة ومن ضمنها غياب حجر الأساس أي العميد الياس الخوري الذي احيل الى التقاعد، فإن الجهوزية من ناحية توزيع الأموال المرصودة والإجراءات اللوجستية والعملية لم تبصر النور ايضاً (على سبيل المثال لا الحصر: لم يتم الإعلان عن قوائم الناخبين النهاية بعد تجميدها من اول شباط وحتى 30 آذار وفق ما يقتضيه القانون، كما لم يتم التواصل مع المحافظين والقائمقامين لتحضير التجهيزات اللوجسيتة المطلوبة واعداد الموظفين لتولي المسؤوليات الملقاة على عاتقهم)، وكأن هناك حلقة مفقودة داخل الحكومة للربط بين كل هذه الإجراءات لانجاح العملية الانتخابية، ولكن لحسن الحظ، فإن السبب السياسي كان كفيلاً في حجب التقصير اللوجستي والعمليّ الحاصل.

وعلى خطّ موازٍ، فإنّ احداً لم يتحرك على صعيد الأحزاب والتيارات السياسية، ما انعكس ارتخاء في نشاط العائلات، علماً انّ الانتخابات البلدية والاختيارية هي عائليّة بامتياز، وغالباً ما يتم التحضير لها قبل اشهر في كل شارع وحيّ وتنقسم المهام داخل العائلة الواحدة للتنسيق وتغطية اكبر عدد ممكن من تفرّعات الابناء والاقارب، ويكون الترقّب فيها اكبر بكثير من الانتخابات النيابية. وللعلم فقط فإنّ الناس تستمد حماستها ايضاً من الاحزاب والتيارات السياسية، ولكن هذه الحماسة كانت مفقودة، فقد اقتصرت الترشحات على 3 اسماء فقط في كل لبنان، وهذا يعني عملياً ان "المكتوب قد قُرئ من عنوانه" والتمديد كان قد حصل قبل اقراره في مجلس النواب.

وفي دلالة اخرى على ان الجميع شارك في وأد الانتخابات، فإنّ الاجتماعات الامنيّة غابت هي الاخرى عن الساحة، وامتنع مجلس الامن المركزي عن ذكر الانتخابات، وكأنّ لفظها بات من المحظورات، في حين كان من المفروض ان يتسيّد التنسيق بين القوى الامنية والعسكرية الموقف، ويتم تبادل الخطط والاجراءات لحفظ الامن في الايام المحدّدة، ووضع الاحتمالات لمواجهة كافة السيناريوهات التي قد تطرأ، لان الحساسية بين ابناء العائلة الواحدة تكون اكبر، وتحدياً اصعب للتعامل معها.

اما وقد حصل ما حصل، فلا يعتمد احد على الغشّ والتباكي، لانّ الجميع شارك في عمليّة القتل هذه. ويبقى سؤال مهم: ماذا عن المبلغ الذي تمّ رصده لاجراء هذه الانتخابات؟ وهل سيكون مصيره مجهولاً؟!.