بغضّ النظر عن حرص "القوات اللبنانية" على تأكيد نجاح "اللقاء التضامني الوطني" الذي عُقد يوم السبت في معراب، تحت عنوان "1701 دفاعاً عن لبنان"، في تحقيق الأهداف المنشودة منه، وأولها رفع الصوت في وجه ممارسات "حزب الله"، إلا أنّه لا يخفى على أحد أنّ ما سُمّي بـ"لقاء معراب" كان مخيّبًا لآمال "القوات" قبل غيرها، بعدما عجزت عن تظهير الصورة التي كانت تريدها منه، كلقاء "جامِع" للمعارضة، بقيادة "قواتيّة" خالصة.

لم يستطع "لقاء معراب" أن يحقّق هذا "الطموح القواتي" إن جاز التعبير، بل كاد يتحوّل في مكانٍ ما إلى لقاء "حزبي"، لا أكثر، لولا حضور بعض القوى والأطراف إما من باب القناعة بعنوان اللقاء "الجامِع"، وإما من باب "رفع العتب"، علمًا أنّ بعض الأطراف وإن شاركت تعمّدت إيصال "رسائل"، كما فعل حزب "الكتائب" الذي لم يحضر رئيسه النائب سامي الجميل، ولا نوابه الحاليّون، بل تمثّل بنائب الرئيس ونائب سابق.

وقد يكون البيان الذي أصدره عدد من المعارضين، الذين يفترض أنهم يشاركون "القوات" تطلّعاتها في مواجهة "حزب الله"، أكثر من "استفزّ" قيادتها، خصوصًا أنّه انطوى على انتقادات "صريحة" لحصر اللقاء بالقرار 1701، في حين أنّ "المعركة اليوم هي معركة استقلال وتحرير القرار الوطني من التسلّط الذي تمارسه إيران عن طريق حزب الله"، وفق تعبيرهم، وهو ما قرأ فيه كثيرون "مزايدة" على "القوات" بشكل أو بآخر.

انطلاقًا من كلّ ما سبق، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام عن انعكاسات "لقاء معراب"، لا على العناوين والثوابت التي طرحها من القرار 1701 إلى معارضة "حزب الله"، ولكن على "وحدة" المعارضة، ومشروع "الجبهة" المؤجَّل على خطّها، فلماذا أفشلت المعارضة "لقاء معراب"، إن جاز التعبير؟ وأيّ رسائل أرادت إيصالها خلف ذلك إلى "القوات" وقيادتها؟ وكيف تتلقّف الأخيرة هذه الرسائل، وتوظّفها في أدائها العمليّ؟.

في المبدأ، يقول العارفون إنّه بمعزل من نجاح "لقاء معراب" من عدمه، على المستوى السياسي، وهو ما قد يحتمل الأخذ والرد، فإنّ الثابت فيه أنّه كرّس مرّة أخرى "انقسام" المعارضة على نفسها، وعدم قدرتها على الوقوف صفًا واحدًا، علمًا أنّ المقارنة بين "لقاء معراب" و"لقاء البريستول"، التي حاول البعض التلميح إليها، لم تكن في صالح الأول، الذي اتُهِم في مكان ما بـ"التشويش" على جهود المعارضة إطلاق جبهة موسّعة شبيهة بتلك التي أطلقت عام 2005.

بهذا المعنى، لا يمكن قراءة "الشكل" الذي خلص إليه "لقاء معراب"، أو ما ذهب البعض لحدّ توصيفه بأنّه "لقاء للمعارضة بغياب المعارضة"، إلا بوصفه رسالة "اعتراض" من العديد من المكوّنات المعارضة، على محاولة "القوات" اختزال المعارضة بشكل أو بآخر، وليس فقط على "حصر" النقاش ببند واحد، كما جاء في البيان الذي أصدره عدد من النواب السابقين، الذين لفتوا إلى مساعٍ قائمة منذ أشهر، لعقد هكذا لقاء من أجل التوافق على ورقة وطنية جامعة.

أكثر من ذلك، ثمّة داخل المعارضة من قرأ سلبًا "لقاء معراب" على أنه محاولة للتشويش على "جبهة المعارضة" التي طال انتظارها، والتي أكثر حزب "الكتائب" تحديدًا من الحديث عنها، بوصفه "عرّابها" ربما، علمًا أنّ لقاءات تُعقَد في الصيفي تحضيرًا لإطلاقها، وإن كانت لا تزال تصطدم بممانعة طرف من هنا، أو تحفّظ طرف من هناك، ممّن يعتبرون أنّ رفع السقف في وجه "حزب الله" قد لا يكون مناسبًا الآن في "ذروة" الحرب القائمة في الجنوب.

وبين هذا وذاك، تبقى الرسالة "الأهمّ" التي تنطوي عليها مقاربة "المعارضة" للقاء معراب، سواء بمقاطعته، أو بتقليص حجم التمثيل فيه إلى حدوده الدنيا، هي رسالة رفض لقيادة "القوات" للمعارضة، وفق ما يقرأ العارفون، الذين يشيرون إلى أنّ "كلمة السرّ" التي وصلت إلى جعجع هي "لست قائد المعارضة"، علمًا أنّ هناك من أعطى المقارنة مع "لقاء البريستول" هذا البعد، انطلاقًا من التسمية، التي كان مقصودًا عدم حسبانها على طرفٍ دون آخر.

على ضفة "القوات"، لا يجد الحديث عن "فشل" اللقاء صدى واسعًا، أقلّه في المواقف المُعلَنة، حيث تتمسّك أوساط "القوات" بالسردية القائلة بأنّ اللقاء "نجح" إلى حدّ بعيد، فهو أسّس لمرحلة سياسية جديدة على خط المواجهة "عالية السقف" مع "حزب الله"، وأنّ المعارضة ستكون "موحّدة" في هذه المواجهة، بمعزل عن كل التفاصيل الشكلية، التي ترى أوساط "القوات" في "تضخيمها" نوايا "مبطنة" لصرف الأنظار عن المضمون، وهو الأهمّ.

تقول أوساط "القوات" إنّ خير دليل على نجاح "لقاء معراب" هو أنّه "أزعج" معسكر "حزب الله"، وهو ما يتجلّى بشكل واضح في "التصويب الممنهج" عليه، تحت عنوان "الغيرة" على "وحدة صف" المعارضة، تمامًا كما يتجلّى في "التحريض المسبق" عليه، الذي وصل لحدّ "تهديد" بعض المشاركين، وكلّ ذلك يدلّ مرّة أخرى على أنّ مثل هذه اللقاءات "مؤثّرة"، بعكس ما يحاول المحسوبون على الحزب تصويرها.

وفي حين يرى البعض أنّ إفشال المعارضة للقاء معراب، بشكل أو بآخر، ولو بصورة "نسبيّة"، سينعكس سلبًا على مشروع "جبهة المعارضة" الذي سيصطدم بعد ذلك بشروط "القوات"، تنفي أوساط "القوات" أيّ حديث من هذا القبيل، وتؤكد أنّ المعارضة "موحّدة"، ولو اختلفت الأساليب والتكتيكات، وهي بمختلف مكوّناتها تتقاطع على ثابتة كبرى، وهي معارضة "حزب الله"، ورفض السلاح غير الشرعي، وهو ما شكّل أساسًا عنوان اللقاء.

في مطلق الأحوال، تقول أوساط "القوات" إنّ ما بعد لقاء معراب لن يكون كما قبله، فبمعزل عن الجدل "البيزنطي" حول فشل اللقاء في الشكل، فإنّ الثابت في المضمون، أنّه أسّس لمرحلة سياسية جديدة، تقوم على "خلع القفازات" بالدرجة الأولى، لأنّ أيّ نقاش مستقبلاً سيكون منطلقه "الثوابت" التي وردت في البيان الختامي للقاء معراب، وأساسها "رفض السلاح خارج مؤسسات الدولة الأمنية، والتأكيد على دور الجيش في حماية الحدود والسيادة".

في النتيجة، ثمّة من يقول إنّ مشكلة المعارضة تبقى في المعارضة، وهو ما كرّسه "لقاء معراب" مرّة أخرى، بغضّ النظر عن الشروط والتحفظات والمقاربات، فالمعارضة هي التي "أفشلت" لقاءها المفترض، كما أنّها "أجهضت" سابقًا العديد من مشاريع "الاتحاد"، ولو تحت عنوان مواجهة "حزب الله"، الذي يفترض أنه جامِع لمكوّناتها. فهل تخرج المعارضة من هذه "الدوامة" ولو لمرّة واحدة، أم أنّ ما كُتِب قد كُتِب، وانتهى الموضوع؟!.