رغم أن حزب الله في لبنان لم يكن مستعدا لهذا النوع من الحروب المشتعلة الآن على الجبهة الجنوبية، إلا أنه اثبت سرعة تكيفه مع هذا النوع وقدرته على اعتماد تكتيكات عسكرية متطورة خلال الحرب، وهو أمر توقف عنده الكثير من المحللين العسكريين الاسرائيليين، فبعد الأيام العشرة الأولى للحرب غيّر تكتيك عمله، خاصة أن بعد ظهر التطور التكنولوجي الكبير الذي يعتمد عليه الجيش الاسرائيلي، لناحية استغلال المسيّرات وربطها بالأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي.

منذ بداية الحرب كان واضحاً التركيز الاسرائيلي على عمل المسيرات المتطورة القادرة على تحديد الهدف وضربه بالاعتماد على وسائل تكنولوجيّة، مزودة بأحدث وسائل الذكاء الاصطناعي، وتُشير مصادر مطلعة عبر "النشرة" الى أن المسيّرات الاسرائيليّة ليست جديدة واستعمالها لأول مرة يعود الى ما يزيد عن 20 عاماً، وقد استخدمت في حروب سابقة في المنطقة من لبنان الى غزة وحتى في سوريا، ولكن دمجها بالذكاء الاصطناعي، وتطوير أسلحتها الصاروخيّة أفضى الى هذه الطفرة في القوة.

ترى المصادر أن حرب المسيّرات هي العنوان الأبرز للحرب المستعرة اليوم بين الحزب والعدو الاسرائيلي، وقد بدّل الأوّل حتى اليوم حوالي 6 مرات تكتيكاته العسكريّة لمواكبة هذا النوع من الحروب، ولتقليص الخسائر البشريّة التي كانت كبيرة بداية الحرب بسبب المسيّرات، مشيرة الى أنّ ما جرى بالنسبة للحزب في هذ الحرب شكّل فرصة للتعرّف على التطور النوعي الكبير الذي وصل اليه الجيش الاسرائيلي بمسألة المسيّرات، وسيساعده بالمستقبل لمحاولة التكيف مع هذا النوع من الحروب.

تمتلك اسرائيل أنواعاً عديدة من المسيّرات، أبرزها بحسب المصادر هيرمز 450 وهيرمز 900 ومسيّرة "إيتان"، وبحسب المصادر فإنّ المسيرتين الأولتين هما الأكثر استخداماً في الحرب الحاليّة، وقد تم اسقاطهما باستخدام صواريخ أرض جو محمولة على الكتف تشكل أبسط منظومات حزب الله للدفاع الجوي، أما المسيرة "إيتان" وهي الأبرز في اسرائيل، والأضخم لناحية الحجم، فيتم استخدامها في بعض عمليّات الاغتيال التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي، والتي كانت القلق الأبرز للمقاومة في هذه الحرب.

تشكل عمليات الاغتيال العنوان العريض للحرب، بسبب التطور الضخم الذي لحق بالمسيرات وبالقدرة على التتبّع والرصد والاستهداف، فهناك من يقول على سبيل المثال أنّ عملية اغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية تمت من طائرات تمركزت خارج المياه الاقليمية اللبنانية، وهناك من يقول أن المسيرة التي استهدفت أحد المقاتلين التابعين للحزب في كفررمان كانت تتمركز في منطقة فوق الحدود الشمالية لاسرائيل، لذلك فإن هذه الحرب داخل الحرب تشكل الهاجس الأكبر للحزب.

تبين خلال هذه الفترة أن الجيش الاسرائيلي يمتلك بنك أهداف بشري كبير، إذ نرى من خلال نوعية الاغتيالات المنفّذة وجود أسماء قادة كبار في الحزب لديه، وتفاصيل كثيرة عنهم تجعله قادر على رصدهم واستهدافهم، وبحسب المصادر فإنّ "العدو يجمع هذه المعلومات منذ العام 2006، إذ لديه بعض أسماء من شاركوا في تلك الحرب وكان ينتظر اللحظة المناسبة لاستهدافهم"، كذلك يبدو واضحاً ان الاسرائيلي تمكن من استغلال الحرب في سوريا بشكل ممتاز لجمع كل الداتا التي يحتاج إليها، حيث لم تكن الحرب هناك قصيرة ولا الوجود العسكري لحزب الله فيها كان محمياً على الصعيد الأمني.

تُشير المصادر الى أن اسرائيل تمكنت اليوم من استثمار هذه المعلومات بعد ربطها بأحدث الوسائل التكنولوجيّة، حيث اعتمدت على بصمات الصوت والوجه وحركة السيارات والهواتف وكاميرات المراقبة المدنيّة وغيرها من الأمور التكنولوجية المتطورة.

وبسبب أهميّة هذه الحرب ضمن الحرب، فإنّ الرد على الاغتيالات بدأ يأخذ طبيعة مختلفة لدى الحزب، فبحسب المصادر فإن كل عملياته المركبة والمعقدة التي استهدفت مراكز عسكرية في عمق الشمال الاسرائيلي كانت رداً على الاغتيالات بشكل أساسي، لأنّ الحزب يسعى لرسم معادلات جديدة لا تسمح للاسرائيلي بالعمل بحرية.

هذا بعض ما يتعلّق بالعدو الاسرائيلي، ونورده في هذا الجزء من مقال آخر سنتطرق فيه لبعض ما يتعلق بحزب الله في لبنان، لا سيّما سلاح الجو لديه تحديداً.