قد لا تكون المرّة الأولى التي يهاجم فيها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" سابقًا وليد جنبلاط رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، فالرجلان لم يكونا يومًا "حليفَين" بالمعنى التقليديّ للكلمة، ولو تشاركا "قيادة" ما سُمّي بتحالف "14 آذار" في مرحلة "ثورة الأرز" في أعقاب جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ولو "تقاطعا" بعد ذلك في مقاربة الكثير من الاستحقاقات، قد تكون الانتخابات الرئاسية الحالية واحدة منها.

مع ذلك، بدا لافتًا الكلام الذي صدر عن جنبلاط بحقّ جعجع في حديثه الصحافي الأخير، بعد أيام من مقاطعة "الاشتراكي" للقاء المعارضة في معراب، حيث وصفه بـ"المتشدّد"، في سياق مقارنة موقفه مع الموقف "الوسطي" للحزب التقدمي الاشتراكي الذي "يؤمن بمنطق التسوية"، وفق "البيك"، الذي لم يُبدِ في الوقت نفسه "ممانعة"، في أن "يثبت جعجع نفسه زعيمًا للمعارضة إذا أراد"، ولكن "فليفعل ذلك من دوننا"، في رسالة "معبّرة".

وبمعزل عن محاولة البعض "التمييز" بين جنبلاط وبين "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي يرأسه اليوم نجله النائب تيمور جنبلاط، بحيثيّته المختلفة نسبيًا، وروحه "الشبابية" كما يقول البعض، فإنّ موقف جنبلاط الأب يثير العديد من علامات الاستفهام، حول ما إذا كان يؤشّر في مكان ما على "انعطافة مستجدّة" مثلاً، خصوصًا أنّ "الاشتراكي" لا يزال اليوم "مصنَّفًا" في صفّ المعارضة، وقد خاض إلى جانبها معظم الاستحقاقات الأخيرة.

فهل يوجّه جنبلاط بموقفه من جعجع "رسالة إنذار" إلى الأخير، بأنّ "مسعاه" لترؤس المعارضة قد يؤدي إلى خروج "الاشتراكي" من تموضعه الحاليّ؟ وماذا عن الفرضيّة التي تقول إنّ "الاشتراكي" أصبح "عمليًا" خارج المعارضة، ولو من دون إعلان رسميّ؟ وبين هذا وذاك، كيف تتلقّف "القوات" مواقف جنبلاط، ومن خلفها أداء "الاشتراكي" الذي لم يتمثّل في "لقاء معراب" بالمُطلَق، لا بالصفّ الأول ولا الأخير؟!.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ الموقف الذي يصحّ وصفه بـ"الشخصي" لجنبلاط من جعجع ليس بجديد، باعتبار أنّ جنبلاط لم يكن في يوم من الأيام "قريبًا" من جعجع، حتى في عزّ ما سُمّي "تحالفًا استراتيجيًا" بينهما، لكنّ ذلك لا يعني أنّ هذا الموقف لا يجد "انعكاساته" على أداء الحزب ككلّ، ولو أنّه انتقل بقيادة جنبلاط الابن إلى مرحلة مختلفة، "تحرّر" بموجبها من "رواسب الماضي"، التي قد تمثّلها "علاقات" جنبلاط الأب مع مختلف الأفرقاء.

بهذا المعنى، يلفت العارفون إلى أنّ جنبلاط كان واضحًا بأنّ قرار "مقاطعة" لقاء معراب لم يكن "قراره"، بل "قرار الحزب"، ليس فقط من باب تكريس "ابتعاده" عن مركز صنع القرار داخل "الاشتراكي" لصالح قيادة الحزب الحالية، ولكن من باب القول أنّ "الاشتراكي" مقتنع بأنّ المشاركة في هذا اللقاء لم تكن لتشكّل "مصلحة فعليّة" له، وأنّ مصلحة الحزب تبقى في الدور "الوسطي" الذي يلعبه، ويتطلب الوقوف على "مسافة واحدة" من الجميع.

أكثر من ذلك، ثمّة من يربط موقف "الاشتراكي" من لقاء معراب، بعنوان اللقاء، ولو كان في الظاهرة "جامِعًا"، من نوع الدعوة إلى تطبيق القرار 1701، من أجل تفادي الانجرار إلى حرب، وهو ما يسعى إليه جنبلاط منذ اليوم الأول ما بعد "طوفان الأقصى"، لكنّ القاصي والداني يدرك أنّ "المنطلقات" في هذا الموقف مختلفة، حيث يعتبر "الاشتراكي" أنّ الذهاب بعيدًا في المواجهة مع "حزب الله"، على طريقة "القوات"، ليس مناسبًا في ذروة الحرب.

وفي هذا السياق، يتوقف البعض في "الاشتراكي" عند "السقف العالي" للبيان الختامي الذي صدر عن لقاء معراب ضدّ "حزب الله" تحديدًا، وخلوه في المقابل من أيّ إدانة حقيقية، أو حتى إشارة، إلى دور "الجلاد" الإسرائيلي في كلّ هذه "المعمعة"، وكأنّ المشكلة "محصورة" في أنّ "حزب الله" يريد جرّ البلاد إلى حرب، وليست في الجرائم والمجازر الإسرائيلية الممتدّة من قطاع غزة إلى جنوب لبنان، بمعزل عن الموقف من "فتح الجبهة" جنوبًا من قبل الحزب.

استنادًا إلى ما تقدّم، يؤكد العارفون أنّ "الحزب التقدمي الاشتراكي" لم يجد مكانه بين المجتمعين في معراب، فالمطلوب برأيه مقاربة من نوع آخر، إذا كان الهدف فعلاً تجنيب لبنان ويلات "حرب شاملة" لن تكون في صالحه، علمًا أنّه أكثر من واضح أنّه في حال نشوب مثل هذه الحرب، فإنه لن يتوانى عن الوقوف قلبًا وقالبًا إلى جانب "حزب الله"، بعيدًا عن تحميله المسؤوليات، كما تفعل "القوات" بشكل واضح وصريح.

على ضفة "القوات"، لا تبدو رسائل "الاشتراكي" سلبية، بل إنّ أوساطها تؤكد أنّها "تتفهّم" مقاطعة الحزب للقاء معراب، بل إنّها حين وجّهت له الدعوة فعلت ذلك من باب "رفع العتب"، لا لأنها تعتقد أنّ "الاشتراكي" لا يتقاطع معها على الرؤية "الاستراتيجية" نفسها، ولكن لأنها كانت تدرك سلفًا "الخصوصية" التي تمنعه من المشاركة في هكذا لقاء، وهو الذي يسعى للعب دور "وسطي"، ولو من قلب المعارضة، وليس خارجها.

لا تتوقف أوساط "القوات" كثيرًا عند كلام جنبلاط، هي التي لطالما نأت بنفسها عن الدخول في "سجال" معه، ولا سيما أنّ "الاختلاف" معه على بعض التفاصيل والحسابات التكتيكية "لا يفسد في الودّ قضية"، والقضية الأساسية تبقى في "التقاطع" الحاصل مع "الاشتراكي" على المقاربات الكبرى، وهو ما تجلّى أساسًا في كلّ الاستحقاقات تقريبًا منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، رئاسيًا ونيابيًا وحكوميًا، وعلى أكثر من مستوى.

من هنا، تشدّد أوساط "القوات" على أنّ رفض "الاشتراكي" للسقف المرتفع في مواجهة "حزب الله" شيء، وخروجه من المعارضة شيء آخر بالمُطلَق، وهو ما يعني أنّ "الاشتراكي" وإن قاطع لقاء معراب، وإن رفض أن يكون جزءًا من جبهة معارضة تقودها "القوات" أو غيرها، فهو يبقى "في صلب" المعارضة، خصوصًا على مستوى الاستحقاق الرئاسي، حيث لا تزال "ثوابته" من "ثوابت" المعارضة، وهنا بيت القصيد.

في الخلاصة، تؤكد أوساط "القوات" أنّ "الاشتراكي" لم يخرج من صفوف المعارضة، وأنه لا يزال "في صلبها"، لكن ثمّة في المقابل، من يسأل إن كان أصلاً جزءًا من هذه المعارضة، بالمعنى الحرفيّ، حتى يخرج منها، ولا سيما في ضوء علاقته "الممتازة" مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وانفتاحه الملحوظ على "حزب الله"، حتى إنّ هناك من لا يستبعد أن يكون "الاشتراكي" بيضة القبّان التي يراهن عليها هذا الفريق، متى احتاجها!.