يشهد الفنُّ المسيحيُّ في كلِّ أنحاء الامبراطوريَّة الرومانيَّة شرقًا وغربًا، منذ بداية المسيحيَّة، على فرح قيامة الربِّ يسوع المسيح المجيدة من بين الأموات، وذلك من خلال جداريَّات ونقوش وتذكارات وغيرها.

غلبة القيامة جليَّة وواضحة في التصاوير والمنحوتات المسيحيَّة، وهي تظهر أحداثًا خلاصيَّة من الكتاب المقدَّس بعهدَيه. حتَّى أنَّ هناك مشاهد من العهد القديم والجديد جُمِعَت معًا في مشهد واحد، لتقول إنَّ خلاص الربِّ هو نفسه، أمس واليوم وغدًا، ومستمرٌّ إلى دهر الداهرين.

مثالًا على ذلك قطعة من ناووس من القرون الأولى موجودة في متحف بيو كريستيانو في الفاتيكان، تظهر دانيال النبيَّ في جبِّ الأسود والمسيح يقيم لِعازر. المقصد من جمعهما يتلخَّص بما يلي: كما خلَّصتَ يا ربُّ دانيال من جبِّ الأسود، أي من الموت، كذلك خلَّصت لعازر من جبِّ الموت وأقمته بعد أربعة أيَّام، كذلك خلِّصنا الآن. وتبقى هذه الصلاة قائمة في كلِّ الأوقات والأزمان. إذا تعمَّقنا أكثر في الإيمان الَّذي ترجمه الفنُّ الكنسيُّ، وبخاصَّة أنَّ النقش موجود على ناووس، لأدركنا أنَّ المقصد ليس الخلاص من الموت الجسديِّ، بل المقصود هو القيامة المحيية، لأنَّ الموت الحقيقيَّ هو الموت الروحيُّ. فالله لم يخلقنا لنكون ترابيِّين ومائتين بل دعانا إلى الحياة الأبديَّة، وهي تبدأ بخروجنا الآن وهنا من عفننا ونتننا، فتكون عندئذ قيامتنا الأولى، على حسب أقوال الآباء القدِّيسين: القيامة هي النهوض من الخطيئة. وكلّ مرّة نقوم فيها من الموت تكون لنا عهدًا جديدًا.

الإيمان المسيحيُّ واضح منذ البداية، المسيح غلب الموت، ونحن أناس قياميُّون به ومعه. ترانيمنا وصلواتنا القياميَّة وخدمنا الليتورجيَّة تظهر هذا الأمر بوضوح، فنحن ننشد الحياة الأبديَّة في تقاريظ الجنَّاز، ونطلب من الربِّ أن يقوم في سبت النور قائلين له: قم يا ألله واحكم في الأرض، لنعود نعلن بحبور: المسيح قام في سحر الفصح المجيد. نعيدها ونعيدها كلَّ مرَّة بفرح أكبر، لترسخ صرخة القيامة في عمق نفوسنا وأذهاننا ونترجمها حياة، وليس فقط كلامًا وترنيمًا. الخدم تظهر مجدًا كبيرًا لأنَّ الحدث مجيد، وهذا ليدفعنا إلى أن نموت عن ذواتنا ليقوم المسيح فينا.

ولكوننا نحن بشرًا، وكلُّنا لدينا ضعف، وقد نشكُّ، جعلت الكنيسة الأحد الأوَّل بعد الفصح مخصَّصًا لتوما الرسول، توما الَّذي أصرَّ على أن يرى الربَّ ويشاهد بأمِّ عينيه أثرَ المسامير في يدَي يسوع ويضع إصبعه في إثرها، ويضع يده في جنب المسيح الَّذي طُعن على الصليب، وهذا كلُّه لكي يؤمن.

حادثة توما مهمَّة جدًّا ومفصليَّة في حياتنا وعلاقتنا مع الربِّ، فهي تعرِّينا من ضعفنا لنعود نصرخ مع توما من عمق قلبنا: «رَبِّي وَإِلهِي!».

كلُّنا توما، والتلاميذ بأجمعهم كانوا توما عندما أخبرتهُنَّ النسوة بقيامة الربِّ إذ كان كلامهنَّ عندهم كالهذيان.

فتوما يمثِّل كلَّ واحد منَّا، فقد أعلن ما يفكِّر فيه بكلِّ جرأة، فأتاه الربُّ. صدق توما وعبوره من الشكِّ إلى اليقين جعله مشهدًا حيًّا في الفنِّ الكنسيِّ أيضًا.

فمن ضمن التذكارات الَّتي حملها المسيحيُّون معهم من الأراضي المقدَّسة، قارورة من القرن السادس الميلاديِّ منقوش عليها تجسيمًا للقدِّيس توما الرسول ساجدًا واضعًا إصبعه في جنب الربِّ الَّذي يقف وسط التلاميذ، وكتابة باللغة اليونانيَّة: ربِّي وإلهي[1]، ويعلو القارورةَ صليبٌ.

الرسول توما أراد أن يلمس جرح السيِّد، والربُّ كان يريد أن يلمس قلب توما. لهذا نرى عنوان أيقونة هذا الحدث هو "اللمس[2]" أو "لمس توما". وهناك جداريَّة مشهورة في هذا السياق في دير ديونيسيوس في جبل آثوس من القرن السادس عشر.

الربُّ يسوع جُرِحَ ليشفينا من معاصينا وضعفاتنا، ولمسُ الربِّ لنا قيامة، ولمسُنا إيَّاه أيضًا قيامة. الربُّ لا يريدنا أن نبقى خارج القيامة، وهو يدعونا في كلِّ لحظة لكي نلمسه ليلمس قلبنا.

يدور التفسير حول ما إذا كان الرسول توما اكتفى بمشاهدة الربِّ ولم يضع إصبعه في جنب السيِّد. وتبقى الصرخة هي الأهمَّ: أنت يا يسوع ربِّي وإلهي ومخلِّصي الوحيد. أنت تنازلت بمحبَّتك اللامتناهية لكي تخلِّصني وترفعني إليك. تعال إليَّ والمس كلَّ حياتي وأقمني معك لأنَّك الحياة الأبديّة.

إلى الربِّ نطلب.

[1]. O κύριος μου και ο Θεός μου

[2]. Ἡ ΨΗΛΆΦΗCΙC - Ἡ ΨΗΛΆΦΗCΙC ΤΟΥ ΘΟΜΆ