على الرغم من أنّ مقاربة "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​" ل​ملف النازحين السوريين​ باتت "متقاربة" إلى حدّ بعيد بعد سنوات من "التباعد"، بدا مشهد "اجتماعهما" تحت سقف واحد مُستغرَبًا لكثيرين، ولو بقي الأمر محصورًا ضمن نطاق "بلديّ"، خصوصًا في ظلّ ما يصفها البعض بـ"حفلة المزايدات" القائمة منذ الإعلان عن "هبة المليار يورو" المثيرة للجدل، وعشيّة جلسة نيابية عامة يُتوقّع أن "يستغلّها" جميع الافرقاء، "شعبويًا" بصورة أو بأخرى.

ففي تقاطع يكاد يكون "نادرًا"، التقى "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" على "رعاية" المؤتمر البلدي والاختياري عن تنظيم الوجود السوري الذي عقد في عطلة نهاية الأسبوع منطقة البترون، حيث تمثّل "التيار" برئيسه النائب ​جبران باسيل​، فيما حضر عضو كتلة "الجمهورية القوية" عن البترون النائب ​غياث يزبك​ ممثلاً "القوات"، ليعبّرا عن هواجس تبدو "مشتركة" إلى حدّ بعيد في ملف النازحين، ويركّزا على ضرورة "تنظيم" الوجود السوري في لبنان.

صحيح أنّ "التلاقي" بين "التيار" و"القوات" جاء محدودًا في الشكل والمضمون، وقد اندرج في خانة "العمل البلدي" ليس إلا، وفي منطقة ينقسم تمثيلها النيابي بينهما، وعلى خلفية ملفّ استقطب في الأيام الأخير الكثير من الاهتمام، خصوصًا على الساحة المسيحية، بوصفه "مصيريًا ووجوديًا"، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ لقاءً بالطابع نفسه لم يكن ممكنًا قبل أيام فقط، علمًا أنّ باسيل حين قال إنّه سعى "منذ زمن طويل" لعمل بلدي مشترك مع "القوات"، لكنّه لم يحصل.

من هنا، يثير "التقاطع المستجدّ" الكثير من علامات الاستفهام عن دلالاته ومعانيه، وما إذا كان بالإمكان البناء عليه للمزيد من "التقارب" بين القطبين المسيحيَّين، اللذين قد يشكّل "تقاطعهما" متى كان جدّيًا، "كلمة السرّ" للإفراج عن كثير من الاستحقاقات التي قد تكون "مفصليّة" مثل ملف النازحين، ومن بينها ملف رئاسة الجمهورية مثلاً، فهل يجمع النازحون ما فرّقته السياسة بين "التيار" و"القوات"، وهل يمكن أن ينعكس ذلك على مستوى الرئاسة المجمَّدة؟.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ التلاقي بين "التيار" و"القوات" ربما يكون قد حُمّل أكثر ممّا يحمل، باعتبار أنّ "السياق" الذي جاء فيه كان محدودًا، ومحصورًا بالعمل البلدي الذي يفترض أن يكون الطرفان فاعلَيْن على خطّه، علمًا أنّ مقاربة الجانبين لملف النازحين السوريين، وإن أصبحت أكثر "تناغمًا" من السابق، إن جاز التعبير، إلا أنّها تنطوي على "قراءات متفاوتة"، لا تحلو من محاولات "تسجيل النقاط" بين هذا الطرف وذاك، كما بدا واضحًا في الأيام الأخيرة.

فعلى مستوى "التيار الوطني الحر"، يظهر "تسجيل النقاط" هذا بشكل أو بآخر، مع إصرار كلّ المحسوبين عليه على التذكير، كلما سنحت الفرصة، أنه كان "المُبادِر" في التحذير من خطورة ملف النازحين منذ اليوم الأول لبدء الحرب في ​سوريا​، وصولاً لحدّ استعادة خطابات من "الأرشيف" للوزير باسيل ينبّه فيها من "المؤامرة" التي يشكّلها هذا الملف الشائك، بما يوحي بأنّ الآخرين هم الذين "التحقوا به"، ولو "متأخّرين"، في نهاية المطاف.

مع ذلك، تستند أوساط "التيار" إلى مقولة "خير أن تأتي متأخّرًا من ألا تأتي أبدًا"، لترحّب بـ"القوات" وغيرها من الأطراف الذين كانوا يخوّنون باسيل ويتّهمونه بالعنصرية بسبب تصدّيه لملف النازحين، ورفضه الانصياع لرغبات ​المجتمع الدولي​، وتشدّد على أنّ ما حصل إيجابيّ، ويمكن أن "يحصّن" الموقف اللبناني إذا ما تمّ استثماره جيّدًا، وبما يخدم المصلحة العامة، خصوصًا على أبواب مؤتمر بروكسل المُنتظَر أواخر الشهر الجاري.

أما على ضفة "القوات"، التي يقول البعض إنّ موقفها لم يصبح بهذه "الصرامة"، إلا بعد جريمة قتل منسّقها في جبيل باسكال سليمان، والذي تبيّن أنّ السوريين يقفون وراءها، بعكس ما حاولت إيحاءه في الأيام الأولى، فإنّ المقاربة "وطنية" بحسب أوساطها، التي تشدّد على أنّ "القوات" لم تكن يومًا ضدّ "تنظيم" الوجود السوري في لبنان، وهي التي ترفض منطق "الدويلات"، ولكنها كانت ضدّ "العبثية" في التعاطي مع الملف، من دون اعتبارٍ للثورة في سوريا.

رغم الاختلاف الذي قد يبدو "شكليًا" في المقاربة، يبدو واضحًا أنّ ثمّة "مرونة ظاهرة" في أداء الطرفين، لم تكن ممكنة قبل أيام فقط، حين كان الحوار بين "التيار" و"القوات" مرفوضًا بالمطلق، أو مشروطًا ببعض الأمور التي تكاد تكون "تعجيزية"، ما يطرح جدّيًا الأسئلة عن إمكانية "استثمار" ما حصل، لتوسيع إطار "التقاطع"، وصولاً إلى تكريس نوع من "التفاهم"، قد يقترب أو يبتعد عن إطار "تفاهم معراب" الشهير، والذي لم يصمد طويلاً.

حتى الآن، لا يبدو مثل هذا الاحتمال "واردًا"، فلا "التيار" ولا "القوات" بصدد العودة إلى "تفاهم معراب"، أو استنساخه بأيّ صيغة شبيهة له، وفق ما تقول أوساطهما، بناءً على التجربة "غير المشجّعة"، وإن تفاوتت قراءتها بين هذا الطرف وذاك، لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية إيجاد صيغة ما بين الطرفين، خصوصًا في ما يتعلق بالملفات الأساسية والجوهرية، التي تتطلّب حدًا أدنى من "التنسيق"، كما هو ملف النازحين مثلاً، وربما الرئاسة لاحقًا.

لكن على خط الرئاسة تحديدًا، يبدأ "الاختلاف" في الظهور أكثر فأكثر، فتجربة البترون التي دعا "التيار" و"القوات" إلى تكريسها وتعميمها، لا تسري على الملف الرئاسي، وفق أوساط "القوات"، التي تقول إنّ تجربة "التقاطع" خير دليل على ذلك، حيث كان واضحًا أنّ "التيار" لم يكن يريد منها سوى "الضغط" على "حزب الله" لتليين موقفه، ليعود بعد ذلك إلى أحضانه، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يشكّل "أساسًا" لتقاطع جدّي وحقيقي يفضي إلى انتخاب رئيس.

لكنّ أوساط "التيار" تقول في المقابل، إنّ "التقاطع الرئاسي" أكثر من ممكن بعيدًا عن "الحكم على النوايا"، علمًا أنّ باسيل كان أكثر من "حازم" في التقاطع على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وقد كلّفه الأمر "خلافات داخلية" لم تنتهِ فصولاً بعد، وبالتالي، تشير هذه الأوساط إلى أنّ "التيار" منفتح على الحوار مع "القوات" مع غيرها، في سبيل التوصّل إلى مقاربة مشتركة يمكن البناء عليها، من أجل التوصّل إلى "نواة" تفاهم على انتخاب رئيس بالحدّ الأدنى.

في النتيجة، قد يكون القول إنّ النازحين السوريين "نجحوا" في جمع ما عجزت عنه السياسة "مُبالَغًا به"، برأي العارفين، فاجتماع "التيار" و"القوات" في مؤتمر بلدي في البترون، يبقى "محدودًا"، حتى إثبات العكس، ولا سيما أن الطرفين وإن تحدّثا عن "تنسيق وعمل مشترك"، منخرطان في ذروة كلّ ذلك، في "تنافس ومزايدات" إن جاز التعبير، وقد وجدا أنّ "صدامهما" مُربِح "شعبويًا" أكثر بكثير من "تفاهمهما"!.