منذ ما قبل إنعقاد جلسة المجلس النيابي لبحث ملف النازحين السوريين، إنطلاقاً من الغموض الذي رافق مسألة الهبة الأوروبية، كان من الواضح أن غالبية الكتل النيابية ستستغل هذه الجلسة للمزايدة الشعبوية، خصوصاً أنها كانت علنية منقولة مباشرة على الهواء، وهو ما تحقق من الناحية العملية من خلال المواقف التي أطلقت من قبل غالبية الأفرقاء.

من دون الغوص في تفاصيل تلك المواقف، فالأمر الإيجابي كان الرغبة في الخروج بموقف "جامع"، لكن الكثير من الأسئلة طُرحت، بعد إنتهاء هذه الجلسة، حول ماهية هذا الموقف أو التوصية، نظراً إلى أن العديد من النواب لم يكونوا على إطلاع بما هو مطلوب منهم التصويت عليه، وبالتالي لم تكن المشاورات التي عقدت قبل الجلسة كافية على ما يبدو.

إنطلاقاً من ذلك، طلب عدد من النواب بعض الوقت للتشاور، بينما سأل البعض الآخر عن المضمون الفعلي، بعد حالة "الضياع" التي سُجلت، لكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قرر الذهاب إلى التصويت، الذي ختم بعبارة "صُدِّق" من دون أن يكون جميع النواب على معرفة حقيقية بما تم التصديق عليه، وهو ما يعيد إلى الواجهة طرح علامات إستفهام حول طريقة إدارة جلسات المجلس النيابي بشكل عام، حيث لم يكن من المنطقي الإستعجال في التعامل مع مسألة وصفت من قبل غالبية النواب بـ"الخطر الوجودي".

بالذهاب إلى المضمون، كان العنوان الأساسي هو الدعوة إلى تطبيق القوانين المرعية الإجراء في التعامل مع هذا الملف، وهو ما يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي كانت تحول دون تطبيق هذه القوانين طوال السنوات الماضية، حيث كان لبنان يدفع ثمن هذه الأزمة على مختلف المستويات، بالإضافة إلى سؤال آخر يتعلق بإمكانية أن تزول تلك الأسباب في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن القرار المفصلي قد يكون في مكان آخر، وقد يقود الذهاب إلى أيّ إجراءات من الناحية العمليّة إلى ضغوط كبيرة تتعرض لها السلطات اللبنانية.

في هذا السياق، تفيد مصادر نيابية، عبر "النشرة"، أن الموقف "الجامع" على أهميته لا يعني الوصول إلى وضع خطة واضحة المعالم، حيث برز أن العنوان الأساسي إعادة كرة النار إلى حكومة تصريف الأعمال، بعد أن كانت قد رُميت من قبل رئيسها نجيب ميقاتي إلى ملعب المجلس النيابي، وهو ما يقود إلى البحث في كيفية محاسبة حكومة مستقيلة، في حال لم تقم بالإجراءات المطلوبة منها أو لم تلتزم بالتوصية التي صدرت.

بالإضافة إلى ذلك، تشير هذه المصادر إلى أنّ الأساس يبقى الموقف الدولي، تحديداً الأميركي والأوروبي، من هذه المسألة، نظراً إلى أنه من دون تبدل في هذا المجال لن يكون لبنان قادراً على تطبيق ما يطمح إليه، بسبب عدم توفر الإمكانات لذلك، ولا الرغبة في الذهاب إلى خطوات قد تغضب الجهات الخارجية، كطرح فتح البحر أمام النازحين الراغبين في المغادرة، وتضيف: "في الأصل، ما هي الخطة الذي سنذهب بها إلى الخارج، فالموقف الجامع غير كاف لوحده، في حال لم تتوفر الإجراءات العملية".

في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يُحكى فيها عن موقف جامع من ملف النازحين السوريين، حيث أنه في الماضي تم إقرار أكثر من خطة حكومية وتم تشكيل أكثر من لجنة وزارية للمتابعة، لكن العبرة تبقى في إمكانية الذهاب إلى خطوات عمليّة في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما ظهرت الإعتراضات الخارجية أو تعرّض المسؤولون إلى ضغوطات، فهل سيكونوا قادرين على مقاومتها، أو سيتكرر نهج الرضوخ القائم منذ بداية الحرب في سوريا في العام 2011؟.