أثبتت الدول العربية في وقفتها الى جانب الايرانيين، اثناء فقدانهم رئيس الجمهورية الإسلامية ابراهيم رئيسي ومسؤولين اخرين، ان المسألة تتعدّى اطار التعازي والمجاملات الشكلية. اساساً، طرحت عواصم عربية على طهران المؤازرة، ووضع امكاناتها في تصرف الايرانيين بحثاً عن المروحية الرئاسية، فأظهرت حُسن النوايا العربية تجاه طهران.

لكن الإنفتاح العربي-الايراني المُتبادل لم يبدأ هنا. بدأت القصة يوم عزّزت الإمارات العربية المتحدة في السنوات الماضية التواصل مع ايران، سياسياً وامنياً واقتصاديا، لفرض استقرار الاقليم، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين قيمة ٢٥ مليار دولار سنوياً، لتأتي دولة الامارات في المركز الثاني بعد الصين، في عمليات التبادل التجاري، مع الجمهورية الاسلامية الايرانية. كما ان الامارات رفضت استخدام اراضيها عسكرياً، لاستهداف ايران او حلفائها في الاقليم، مما ساهم في تبديد الهواجس الايرانية، بشأن مسألتين اساسيتين: التحالف الخليجي-الاميركي، ومشروع التطبيع الخليجي-الاسرائيلي.

وبحسب المعلومات، فإنّ خطوط التواصل الايراني-العربي، باتت تمر عبر: ايران-السعودية، وايران-الاردن، وايران-مصر، الذين خطوا خطوات الامارات، عدا عن دور سلطنة عُمان الاستراتيجي في التوسّط بين الايرانيين والاميركيين، لحل الازمات العالقة في اكثر من اتجاه، بينما تُصنف قطر في مساحة الحليف لايران.

يبدو التواصل بين الايرانيين والعرب مفتوحاً، لوجود رغبة عندهم، بفرض الاستقرار الاقليمي، ومنع الانجرار الى فتن ونزاعات لا يستفيد منها احد. لكن التواصل لا يقتصر على القادة السياسيين عندهم، ولا على تنسيق امني، او تعاون اقتصادي، بل يطال النُخب والمفكّرين والباحثين، العرب والايرانيين، الذين اجتمعوا منذ ايام، للنقاش في عناوين التباين السياسي، وطرحِ الهواجس الايرانية والعربية المتبادلة: ما هي حدود النفوذ الايراني في الاقليم؟ هناك خشية عربية مفهومة من تمدّد النفوذ الايراني. بالمقابل، ما هو مسار التطبيع الخليجي-الاسرائيلي؟ وهل يكون على حساب دمشق؟

يبدو ان تصرفات طهران التسووية، باتت تطمئن القلقين عربياً، فيما يشكّل الأداء العربي بالإنفتاح على طهران، ورفض هز الاستقرار الاقليمي، عامل طمأنة للجمهورية الايرانية.

يدور النقاش حول ملفات اقليمية اساسية: مستقبل سوريا سياسياً واقتصاديا، اليمن الى اين؟ تداعيات حرب غزة ومستقبل الدولة الفلسطينية، الملف النووي في الاقليم وكيفية تحقيق التعاون بشأنه بين الايرانيين والسعوديين تحديداً، والتعاون الاقتصادي بين ايران والدول العربية. كلها عناوين دسمة، تحتاج الى رسم مساراتها.

لم يتم التوصل بعد، الى اتفاقات نهائية او مكتوبة، لكن المؤشرات تفيد ان التفاهم سيكون مُنتجاً ومثمراً، يدفع ثمنه الاقليم ايجابياً. علماً ان حرب غزة لا تزال تعكّر مسارات الحلول الواسعة المطروحة، بإعتبار ان قضية فلسطين اساسية، في وقت يضغط الاميركيون، للمضي في تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل. غير ان ما يؤجّل او يعرقل مشاريع الحلول، هي تل ابيب، التي تحاول منع التفاهم بين العرب وايران، عبر استمرارية الحرب في غزة، ورفع مستوى الخطاب، بشكل يوحي ان إسرائيل هي لاعبة اساسية في مسار الانتخابات الاميركية ايضاً، وبالتالي لا قرارات حاسمة لدى واشنطن، قبل حلول ادارة جديدة في البيت الابيض. بينما سيتقدم الحوار العربي-الايراني، وستحل بركاته في كل اتجاه اقليمي.