فتحت التطورات على الجبهة الجنوبية، في الأيام الماضية، مجموعة من الأسئلة حول السيناريوهات التي من الممكن أن تذهب إليها في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل التصعيد الكبير الذي تشهده، حيث بات من الواضح أن تل أبيب تسعى إلى ذلك، بهدف فرض معادلات جديدة، تدفع "حزب الله" إلى وقف عملياته العسكرية، التي باتت تُحرج القيادتين السياسية والعسكرية، في حين لا يبدو أن الحزب في هذا الوارد، بل على العكس من ذلك يعمد إلى الرد على كل تصعيد بشكل سريع.

وعلى الرغم من أن هذا التصعيد يبعث على القلق، إلا أن المعطيات المحيطة به لا توحي بإمكانية خروج الأمور عن السيطرة، في الوقت الراهن، خصوصاً في ظل التأكيدات الأميركية المستمرة لرفض هذا السيناريو، لا بل على العكس من ذلك هي باتت تغري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بهذه الجبهة، لدفعه إلى وقف إطلاق النار في غزة، على قاعدة أن التسوية في القطاع ستجنبه الذهاب إلى مواجهة مع "حزب الله"، عبر إعادة الهدوء التلقائي أو الذهاب إلى إتفاق دبلوماسي يعمل عليه المستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه رغم التصعيد الذي يذهب إليه "حزب الله"، في المرحلة الحالية، من أجل ردع الجانب الإسرائيلي عن التوسع في الإعتداءات التي يقوم بها، إلا أنه في المقابل يتجنب الذهاب إلى خطوات تعطي تل أبيب المبررات لشن عدوان شامل أو موسع، خصوصاً أنه لا يزال يحصر الرد بالأهداف العسكرية، على عكس ما يقوم به الجيش الإسرائيلي، لناحية المبادرة إلى إستهداف المدنيين.

بالنسبة إلى هذه المصادر، طالما أن الحزب يلتزم بهذه المعادلة، من الصعب على إسرائيل أن تكون هي المبادرة، لا سيما أنها تفتقد إلى أمرين أساسيين: الأول هو الغطاء الدولي لذلك، حيث أن واشنطن نفسها تعارض أي تصعيد، أما الثاني فهو غياب القدرة على حسم نتيجة المعركة مسبقاً أو توقع أن تكون قصيرة المدى، في ظل الفشل الذي تعرضت له على مستوى قطاع غزة، وتضيف: "في الأصل، كل النقاش في تل أبيب لا يزال يدور حول عملية بعد إنتهاء القتال في غزة، الأمر الذي لا يمكن توقع تاريخه، في ظل عجز نتانياهو عن المبادرة إلى ذلك، بسبب القلق الذي يخيم على مصير الإئتلاف الحكومي، في حال أقدم على ذلك".

إنطلاقاً من ذلك، يمكن الإشارة إلى أن التقديرات في الجانب اللبناني لا تزال هي نفسها، بالرغم من أن الحزب، في بعض الأحيان، يكون مضطراً إلى رفع مستوى الردود، لمنع تل أبيب من التمادي أكثر، كمثل ما حصل في الأيام الماضية، سواء من خلال إستخدام صواريخ أرض جو أو الرد الذي حصل على عملية الإغتيال التي تعرض لها القيادي فيه طالب سامي عبدالله، لكن هل يمكن القول إن الأمور مضمونة بشكل كامل؟

في هذا الإطار، تشدد المصادر المتابعة على أنه طالما أن العمليات العسكرية على هذه الجبهة قائمة لا يمكن الحديث عن وجود ضمانات متعلقة بالسيناريوهات التي من الممكن أن تذهب إليها، لكن يمكن الإشارة إلى أن الترجيحات تقلل إحتمال خروج الأمور عن السيطرة، لا سيما أنه إلى جانب المعادلة العسكرية الموجودة، هناك إتصالات أميركية إيرانية في هذا المجال، تنطلق من تأكيدات واشنطن الرافضة لأي توسيع، في مقابل تحذيرات طهران من التداعيات التي قد تترتب على ذلك.

على الرغم من ذلك، تؤكد هذه المصادر أن إحتمالات التصعيد الإرتقائي، ضمن حدود منع الإنفجار الشامل، تبقى هي الأرجح، لا سيما أن الجانبين، أي إسرائيل و"حزب الله"، بحاجة إلى هذا الأمر، طالما أن الحرب في غزة لا تزال مستمرة، حيث أن تل أبيب تريد أن تدفع الحزب إلى وقف عملياته العسكرية، بينما هو يسعى إلى زيادة الضغوط عليها لدفعها نحو وقف العدوان على القطاع، أو منعها من التمادي أكثر.

في المحصّلة، تشدد المصادر نفسها على أن هذا هو التقدير الحالي للواقع على هذه الجبهة، لكن في المقابل هناك عوامل أخرى لا يمكن التقليل من أهميتها، أبرزها أن نتانياهو بات تحت رحمة الأحزاب اليمينية المتطرفة الداعية إلى شن عدوان على لبنان، ما يجعل إمكانية الحسم بأنه لن يذهب إلى خطوة "مجنونة" غير ممكنة، خصوصاً عند دخول الولايات المتحدة مرحلة الإنشغال بالإنتخابات الرئاسية لديها، في حال لم تكن واشنطن قد نجحت في فرض التسوية قبل ذلك.