دخلت العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية، في الأيام الماضية، مرحلة جديدة من التصعيد، دفعت بعض الجهات إلى الحديث عن أن الأمور بدأت تتدحرج نحو الحرب الشاملة أو الموسعة، لا سيما أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت كان قد أشار إلى أن وقف الحرب في قطاع غزة، قد لا ينعكس على المعارك القائمة على الحدود مع لبنان.
من حيث المبدأ، هذه التهديدات الإسرائيليّة ليست بالجديدة، بل هي متواصلة منذ أشهر طويلة، وبالتالي لا يمكن التعويل على أنها مؤشر على توجه رسمي لدى تل أبيب، لا سيما أن الأمور لا تزال تنحصر بالسعي للوصول إلى حل دبلوماسي، وهو ما يتوافق مع الجهود التي تقوم بها العديد من الجهات الإقليمية والدولية، وأبرزها أميركا وفرنسا وألمانيا وقطر.
في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن الرهان الأساسي، في الوقت الراهن، على مصير مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة، حيث تشير إلى أنّ الأجواء، على عكس كل ما يُقال، إيجابية، ومن الممكن التعويل على نجاحها، رغم إستمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في ظل الضغوط التي يتعرض لها، في محاولات العرقلة، وتلفت إلى أنّ موقف زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي تحدث عن تأمين "شبكة أمان" لنتانياهو، قد يكون علامة فارقة في هذا المجال.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الأسبوع الحالي قد يكون حاسماً على هذا الصعيد، حيث من المفترض أن تظهر حقيقة النوايا الإسرائيلية، خصوصاً أن حركة "حماس" كانت قد ذهبت إلى تقديم المزيد من التنازلات، في سياق السعي للوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، ما يعني أن الكرة باتت في ملعب الولايات المتحدة، التي كانت، في الماضي، تحمّل الحركة مسؤولية العرقلة، رغم إدراكها أن المشكلة، في حقيقة الأمر، لدى تل أبيب لا العكس.
هذه الأجواء، تدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام، حول أسباب التصعيد على الجبهة الجنوبية، طالما أنّ الأمور في غزة، على الأرجح، تتجه إلى إتفاق، وهو ما قد يقود إلى القلق من حقيقة النوايا الإسرائيلية.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة نفسها، مسار المفاوضات المتعلقة في غزة لم يحسم بشكل نهائي، وهو ما يبرر إستمرار العمليات التي تقوم بها تل أبيب في القطاع، وتلفت إلى أن فرص النجاح والفشل متساوية إلى حدّ ما، لا سيما في ظلّ حالة الإرباك التي تعيشها الإدارة الأميركية في الوقت الحالي، بسبب القلق القائم حول مصير ترشيح الرئيس جو بايدن للإنتخابات الرئاسية، والضغوط التي يتعرض لها من قبل العديد من قيادات الحزب الديمقراطي.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه رغم ذلك فإن التصعيد القائم على جبهة لبنان لا يخرج عن الإطار القائم منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، حيث تلفت إلى أنه كان متوقع في ظل إستمرار العمليات العسكرية على هذه الجبهة، على إعتبار أن تل أبيب تحاول دائمًا فرض معادلات جديدة لدفع "حزب الله" إلى وقف عملياته، بينما سيسعى الأخير إلى رفع وتيرته لردع إسرائيل عن الذهاب إلى خطوات أكبر، وتضيف: "ضمن هذا المسار، من المتوقع أن تتصاعد أكثر العمليات العسكرية، في حال عدم الوصول إلى إتفاق في غزة، لكن من دون ان يعني ذلك خروج الأمور عن السيطرة".
وتوضح المصادر نفسها أن مسار الحرب الشاملة مختلف عن الوقائع الحالية، حيث يتطلب العديد من المعطيات غير المتوفرة لدى الجانب الإسرائيلي، في حين أنه لا يمكن إنكار أهمية التأكيدات الإيرانية، التي جاءت من القيادة المنتخبة حديثاً، بإستمرار دعم الحزب ومساندته في أيّ حرب قد تتوسّع، وهو ما تأخذه الولايات المتحدة بعين الإعتبار، من دون تجاهل الإشارة التي كان قد بعث بها الحزب، في الأيام الماضية، لناحية وقف العمليات العسكرية عند وقف إطلاق النار في غزة.
في المحصّلة، العنوان الأساسي لمسار الأوضاع على الجبهة الجنوبيّة لا يزال مرتبطا بتلك القائمة في قطاع غزة، حيث التركيز على المفاوضات الجارية للوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، ومن بعد بروز نتائجها من الممكن الحديث عن السيناريوهات الممكنة في حال فشلها، حيث لا يمكن إستبعاد أي شيء، لكن من الممكن التأكيد أنّ الحرب الشاملة لا تزال أضعفها.