لم تكن الهجمات العسكرية التي شنّتها الفصائل المسلحة في سوريا، وعلى رأسها جبهة "النصرة"، بإتجاه حلب وحماه، هي وليدة المرحلة الحالية، بل هي حصيلة الاستعدادت التركية الطويلة لكسب سوريا، سلماً او حرباً، ومنع العرب من تحقيق نفوذ عبر احتضان دمشق.
حاول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مراراً التحالف مع الرئيس السوري بشار الاسد، وترجمة ثلاث خطوات رئيسية:
- اعادة ثلاثة ملايين نازح سوري من تركيا إلى شمال سوريا.
- اشراك الجماعات الاسلامية "الإخوانية" في السلطة السورية.
- كسر المشروع الكردي في شمال وشرق سوريا.
لكن دمشق رفضت الطلبات التركية، طالما انها لا تنصّ على ابعاد المجموعات الارهابية، وتحديداً جبهة "النصرة" التي تعدّ فرعاً لتنظيم "القاعدة"، وهي مصنّفة ارهابية بموجب القوانين الدولية. كما رفض الرئيس السوري ايضاً شن الحرب على الكُرد السوريين، أو التعاون مع تركيا لإستهدافهم. كما فضّل الاسد التحالف الطبيعي مع الدول العربية، وتمتين علاقاته مع دول الخليج، تحديداً الإمارات العربية المتحدة ثم المملكة العربية السعودية.
عندما حانت الفرصة للأتراك، في فترة انتقالية أميركية، وانسحاب مقاتلي "حزب الله" نحو لبنان، وانشغال روسيا في حرب أوكرانيا، ومصلحة إسرائيل بقطع طريق الامداد بين ايران ولبنان عبر العراق وسوريا، تقدّمت المجموعات المسلحة التي تشرف عليها تركيا، نحو حلب، ثم بإتجاه حماه، في مخطط التمدّد للوصول لاحقاً إلى حمص و بعدها دمشق.
واذا كان السوريون انسحبوا من حلب سريعاً، ودافعوا عن حماه في معارك حامية مستمرة، إلاّ ان المفاوضات انطلقت، وستحط الاثنين المقبل في اجتماع بين تركيا وايران وروسيا وقطر لبحث المسار السوري. يريد الأتراك تنفيذ مشروعهم الأساسي، اي اعادة النازحين وإشراك حلفائهم الاسلاميين المتشددين في الحكم السوري. وبحسب مصدر عربي مطلّع لـ"النشرة" فإن الهدف التركي هو فرض نفوذ سياسي واقتصادي في سوريا على حساب النفوذ العربي، وطرح صيغة سياسية ثلاثية تقوم على مايلي: شراكة بين حزب "البعث" و"إسلاميي اردوغان" (الاخوان) والكُرد.
يقول المصدر ذاته "إن اردوغان يراعي الاميركيين في ملف الأكراد، لذلك باشر مفاوضات معهم عبر زعيمهم المسجون عبدالله اوجلان، وهو ما أدى لاحقاً إلى انسحابات الأكراد من حلب وتل رفعت، وبعدها دور منبج، بهدف ترتيب المرحلة المقبلة".
ويستبعد المصدر العربي خروج العرب من الدور الفاعل في سوريا، لأن لدمشق ولعواصم الخليج العربي مصلحة في ترسيخ التعاون، ومنع تمدد المتشددين المسلمين، وتحديداً "الاخوان"، كي لا يؤدي ذلك إلى زعزعة ساحات عربية اخرى، بدءاً من الأردن إلى مصر ودول الخليج التي تخشى جميعها من ادوار "الاخوان المسلمين". وعن دور "النصرة"، يقول "انها وسيلة ميدانية يلعب فيها الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام) دوراً وظيفياً سينتهي قريباً، ليتقدم بدلاً منه سياسيو الاخوان المسلمين".
وهل تقبل دمشق بشروط تركيا؟
يؤكد المصدر ان العرب يتبنون موقف الاسد بالكامل، وسيدعمون سوريا في المرحلة المقبلة، شرط تحقيق امرين: منع النفوذين التركي والإيراني.
لذلك، يبدو الميدان مقياساً لما سيحل في سوريا، والذي لا يطرح فيه احد ضرب اسس النظام، ولا اقالة او استقالة الرئيس السوري، بل فرض الشراكة السياسية التي يدور النزاع حولها بين عواصم الاقليم، بإنتظار القرار الاميركي الجديد بعد استلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب.