في 14 ايار 2025، رحلت عن هذا العالم نهاد الشامي عن عمر يناهز الـ87 عامًا، تاركةً خلفها سيرة نقيّة، تُشرق منها الفضيلة والتقوى والتواضع، وأسطورة شفاء عجائبي أصبحت علامة في سفر معجزات القديس شربل وحياة الكثيرين من الباحثين عن قبس رجاء.
وُلدت نهاد الشامي في قرية المزاريب في قضاء جبيل، وعاشت حياة ريفية بسيطة مجبولة بالتعب، لكن قلبها لم يعرف غير المحبة. تزوّجت من سمعان الشامي وأنجبت منه اثني عشر ولدًا. كانت تمضي أيامها بين الطهي والغسيل والزراعة وتربية الأولاد، لكنها لم تفرّط يومًا في صلاتها أو في تعليم أولادها مخافة الله. كانت تُصلي المسبحة الوردية معهم كل مساء، وتشارك مع عائلتها في القداس كل نهار أحد.
بين القسوة والغفران
لم تكن حياة نهاد خالية من الألم المعنوي والجسدي. عانت كثيرًا من قسوة حماتها، التي كانت تفتري عليها أحيانًا، وتعاملها بقسوة، وتُسمعها عبارات جارحة. لم يكن ذلك نابعًا من شرٍّ شخصي، بل من جرحٍ دفين في قلب الحماة، إذ كانت قد عاشت طفولة مأساوية بعدما هاجر والدَاها وتركاها وحيدة مع جدّتها، من دون حنان أب أو حضن أم، فترعرعت وهي محرومة من حنان الوالدين، تحمل في داخلها خوفًا ومرارة وحزنًا دفينًا. زاد من جرحها تزويجها من شخص يكبرها سنًّا. لكن نهاد، رغم هذه القسوة، لم تردّ الشرّ بشرّ، بل كانت تخدمها بصمت، وتُصلّي من أجلها، وتحتمل في قلبها بصبر يشبه صبر المسيح على طريق الجلجلة. وعندما أُصيبت حماتها بالفالج في شيخوختها، لم تتخلَّ عنها نهاد، بل كانت تهتم بها، وتغسلها، وتطعمها، وتجلس بقربها، وتُصلي معها ولأجلها. في تلك اللحظات الأخيرة، ذابت قسوة الحماة، فطلبت المغفرة من نهاد وهي تبكي، وقالت عنها: "أنت ملاك. سامحيني، ما كنت بعرف قيمة طيبتك إلا بعد ما شفت محبتك لما ضعفت".
معجزة غيّرت حياتها
في 9 كانون الثاني 1993، أُصيبت نهاد بشلل نصفي حاد نتيجة انسداد شرياني في العنق. وفي 22 كانون الثاني، رأت في حلم السيّدة العذراء والقدّيس شربل، حيث طمأنها الأخير وأجرى لها "عملية" في الحلم. عندما استيقظت، كانت قد شُفيت تمامًا، وظهرت علامات الجراحة على عنقها. كانت تلك بداية الرسالة الجديدة في حياتها: نقل الإيمان والرجاء لكل من يسمع شهادتها.
شاهدة ورسولة
بعد شفائها، كرّست نهاد الشامي حياتها لتكون شاهدة حيّة على محبة الله وشفاعة القديس شربل. وأصبحت في كل 22 من كل شهر تسير في مقدمة المصلين من محبسة مار شربل في عنايا إلى كنيسة دير مار مارون حيث يُقام قداس احتفالي. وفي ذلك اليوم من كل شهر، كان ينفتح جرحها مجددًا علامة على المعجزة الإلهية. وكم من طالب شفاء كان يقترب منها طالبًا أن يتبارك من جرحها، وهي كانت تقول لهم: "أنا لست قديسة، أنا مجرد علامة على أن الله معنا (عمانوئيل)
لم تُغلق بابها يومًا أمام أحد. كانت تستقبل الزوّار في بيتها في حالات، وتتحدث عن معجزتها، وتُصلي معهم، وتبث فيهم الرجاء..
قصة نهاد الشامي أصبحت مصدر إلهام لآلاف المؤمنين، ما دفع بالمخرج سمير حبشي لإعداد فيلم سينمائي عن حياتها بعنوان: "نهاد الشامي: للإيمان علامة"، يروي قصتها كمرآة للتقوى، والغفران، والأمومة الروحية. قُدّر لنهاد أن تشاهد الفيلم، قبل أن تنتقل إلى الأخدار السماوية.
وداع ملاك الأرض
في 14 أيار 2025، ودّعت نهاد الشامي هذا العالم، ورافقها الأحبّاء من حالات ومن كل لبنان إلى مثواها الأخير في كنيسة مار ميخائيل – الغابات. لكن روحها لا تزال حيّة، تنقل إلى المؤمنين تعليمًا أعمق من أي عظة: أن المحبة تغلب القسوة، والصبر أقوى من الجراح، والمغفرة هي تجسيد لمعنى الفصح.
نهاد الشامي لم تكن فقط امرأة نالت معجزة... بل كانت هي ذاتها المعجزة.