ثبّتت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية الأحزاب والقوى والشخصيات التقليدية في مناطقها، من دون ان تُعطي فوزاً كاسحاً لأي فريق سياسي تجعله يدّعي وجود "تسونامي" لمصلحته على حساب الآخرين، بإستثناء ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" في الساحة الشيعية. بينما تراجعت "قوى التغيير" إلى حدود كبيرة، تُشارف الغاء وجودها.
واذا كانت الحسابات العائلية لعبت أدوارها في البلدات والقرى، الاّ ان مقاييس نتائج انتخابات المدن اعطت صورة واضحة عن موازين القوى السياسية:
- اذا حيّدنا بيروت التي تآلفت فيها القوى السياسية، رغم تناقضاتها، الاّ ان تيار "المستقبل" اثبت حضوره عند الجمهور السنّي، وهو الذي قاد عملياً معركة ضد كل الاحزاب الاخرى، واستطاع بتحالفه مع "الجماعة الاسلامية" ان يخرق اللائحة بأحد ابرز رموز طريق الجديدة العميد المتقاعد محمود الجمل. كما ثبّت "المستقبل" وجوده في المناطق ذات الغالبية السنّية، رغم عدم خوضه الانتخابات البلدية. مما يعني ان غياب رئيس التيار سعد الحريري لم يلغِ وجود شعبية "المستقبل" التي يقودها الامين العام للتيار احمد الحريري الذي أكّد انه يمثّل مساحة كبيرة من التمثيل في صيدا.
- لم تستطع كل المتغيرات السياسية ان تشطب التيار "الوطني الحر" من المعادلة الشعبية، واتت نتائج الانتخابات البلدية لثبّت تمثيله بشكل اساسي في عكار، والبترون، وكسروان، والمتن، والشوف، وجزّين وغيرها. بينما سجّل "الوطني الحر" اخفاقاً في زحلة، لعدم قدرته على ترتيب تحالف وخوض الانتخابات التي تركها لصالح خصمه "القوات".
- استطاع الحزب "التقدمي الاشتراكي" ان يفرض وجوده في البلدات والمدن ذات الغالبية الدرزية، في جبل لبنان وراشيا.
- اثبت تحالف ثنائي حركة "امل" و "حزب الله" انه الممثل الوحيد للشيعة في لبنان، وبفارق كبير جداً عن خصومه السياسيين. وسجّل تقدّم الحركة في كسب الاصوات، بعكس السنوات الماضية التي كانت شهدت تراجعاً لشعبيّتها في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. مما يعطي رئيس مجلس النواب نبيه برّي اندفاعاً اضافياً في ادارته للساحة الشيعية والسياسية في لبنان، وحاجة الحزب له في كل المجالات بعد الحرب.
- لم ينجح حزب "الكتائب" في فرض وجوده في عدد كبير من المناطق، لكنه حاول اثبات نفسه، واذا كان فشل في زحلة، وجزّين، ومناطق اخرى، الاّ انه حاول ان يُبقي فاعليته من خلال انتخابات المتن.
- نجح حزب "القوات" في فرض تمثيله في عدد من المناطق، واستطاع ان يُثبت وجوده رقماً اساسياً في معقله بشري، وزحلة، لكن فشله في جزّين، وخساراته في بلدات معظم نوّابه، حال دون حديثه عن انتصارات شعبية في الساحة المسيحية، رغم انه حاك تحالفات في جونية وبيروت والكورة مع خصوم تاريخيين للقوات.
- استعاد تيار "المردة" فاعليته الشعبية في انتخابات زغرتا، التي جاءت نتائجها لتؤكد ان "المردة" لا يمكن إلغاؤه.
- نجحت "الجماعة الاسلامية" في اعادة نفسها نسبياً، إلى الساحة السياسية عبر تحالفاتها ونجاحها في صيدا، وطرابلس، وبيروت. وكذلك "جمعية المشاريع" ايضاً.
- بقي حزب "الطاشناق" يتصدّر التمثيل الشعبي عند الأرمن، رغم تراجعه في الاونة الأخيرة.
- نجحت شخصيات سياسية تقليدية في فرض وجودها: النائبان نعمة إفرام و فريد هيكل الخازن في كسروان. رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي لم يخض الانتخابات لكن نتائج طرابلس اثبتت ان ممثليه موجودون في البلدية الجديدة. النائب ايهاب مطر ايضا في طرابلس. النائب فريد البستاني في دير القمر. النائب جهاد الصمد في منطقته بخعون الضنية. النائب فيصل كرامي في طرابلس. النائب فؤاد مخزومي في بيروت. النائب اسامة سعد في صيدا. النائب السابق إبراهيم عازار في جزين. إضافة إلى شخصيات سياسية حافظت على أدوارها في مناطقها بشكل مقبول.
لكن السؤال: اين "قوى التغيير"؟ لم تستطع ان تُبقي حيثيتها الشعبية التي كسبتها منذ عام 2019، والتي أدت إلى فوز ١٣ نائبا في الانتخابات النيابية الماضية. كل نتائج الانتخابات البلدية توحي ان "قوى التغيير" فشلت في رص الصفوف او الحفاظ على وحدة افرقائها. فهل تكرّر الانتخابات النيابية في العام المقبل ما حصل في الانتخابات البلدية في الاسابيع الماضية؟