بعد الإنتهاء من الإنتخابات البلدية والإختيارية، تتحضر الساحة اللبنانية للعودة إلى السجالات السياسية المعروفة، على وقع التحولات القائمة على المستوى الإقليمي، لكن قبل الإنتهاء من هذا الإستحقاق، كانت قد سجلت بعض التطورات التي سيكون لها تداعيات في المرحلة المقبلة، أبرزها ذلك المرتبط بالساحة السورية، لناحية اللقاء بين الرئيس الإنتقالي أحمد الشرع، بما يعنيه من إنخراط دمشق في مسار التطبيع مع تل أبيب، بالإضافة إلى زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت، التي يراد لها أن تكون نقطة الإنطلاق في مسار سحب السلاح من المخيمات.

ضمن هذا السياق، تسود حالة من الترقب لزيارة من المفترض أن تقوم بها، خلال أيام، إلى لبنان المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي كانت قد مهدت لها عبر الدعوة إلى التعلم من تجربة الشرع، بالنسبة إلى الإلتحاق في ما تعتبره واشنطن مسار السلام في المنطقة، التي كان قد سبقه أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، المستفيد من النتائج التي أحرزها الثنائي الشيعي في الإنتخابات البلدية والإختيارية، من خلال طرح معادلة واضحة تقوم على أساس: عدم مطالبة الحزب بأي شيء، قبل إنسحاب إسرائيل ووقف وعدوانها والإفراج عن الأسرى.

بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، هذا الواقع يفرض تحديات كبيرة على الساحة اللبنانية، تحديداً على الجانب الرسمي، الذي عليه التعامل معه بدقة، نظراً إلى أنه يجد نفسه أمام معادلة صعبة، تقوم على أساس مواجهة مخاطر الصدام مع التوجهات الأميركية، التي تتوافق مع وجهة نظر العديد من الجهات الإقليمية الفاعلة، أو الذهاب إلى صدام مع مكون محلي يرفض التعامل معه كمهزوم، بل على العكس من ذلك يستند على قوة شعبية أثبتها في الإستحقاق الإنتخابي البلدي والإختياري.

في هذا الإطار، تلفت هذه المصادر إلى أن رئيس الجمهورية جوزاف عون هو أكثر من يدرك الواقع الراهن، الذي يعبر عنه من خلال الحديث المتكرر عن أن قرار حصر السلاح بيد الدولة متخذ، لكن في المقابل يصر على آلية الحوار مع الحزب لمنع إنجرار البلاد إلى صدام داخلي، وبالتالي المعالجة المطلوبة لا يمكن أن تكون، كما يطمح البعض، من خلال الذهاب إلى إجراءات حاسمة، لا تأخذ بعين الإعتبار الواقع المحلي المعروف.

من حيث المبدأ، لا يمكن تجاهل الواقع القائم على مستوى المنطقة، نظراً إلى أن سلاح الحزب كان ينظر إليه، على مدى السنوات الماضية، من منطلق أنه ملف إقليمي، لا يمكن أن يعالج إنطلاقاً من الوقائع الداخلية فقط، ما يدفع الكثيريين إلى الحديث عن ضرورة إنتظار المسار الذي ستذهب إليه المفاوضات الأميركية الإيرانية في الأشهر المقبلة.

من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، ما يتحدث عنه "حزب الله" عن بقاء سلاحه ليس أمراً مستغرباً، خصوصاً في ظل إستمرار الخروقات الإسرائيلية لإتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى المشهد القائم بعد سقوط النظام السوري، حيث القلق المستمر من طبيعة السلطة الجديدة في دمشق، وبالتالي لن يكون من المتوقع أن يبادر الحزب، في ظل كل ذلك، إلى خطوات عملية لا تتضمن الحصول على ضمانات معينة.

وفي حين تشدد هذه المصادر على أن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على تأمين مثل هذه الضمانات، تشير إلى أن واشنطن، في الوقت نفسه، تعتمد سياسة إقليمية واضحة، تقوم على أساس التعاون مع بعض الحلفاء الإقليميين، ما دفعها، على سبيل المثال، إلى التعاون في الملف السوري، رغم كل المحاذير التي لا تزال قائمة، بناء على طلبات قدمت من قبل بعض هؤلاء الحلفاء، على قاعدة أن النتائج من الممكن أن تصب في خانة تحقيق الهدف الأكبر الذي تسعى إليه.

في المحصّلة، تؤكد المصادر نفسها أن الملف اللبناني هو أكثر الملفات المرتبطة بمستقبل التفاوض بين واشنطن وطهران، من منطلق أن النتائج الإيجابية تساهم في المعالجة الهادئة، على عكس ما هو الحال فيما لو ذهبت الأمور إلى صدام بين الجانبين، الأمر الذي ترى أنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من الوقت، متوقعة أن تشهد الأمور، في الفترة الفاصلة، المزيد من التصعيد، الذي يصب في سياق تحسين الشروط.