منذ أسابيع، يتكرر الحديث، في بعض الأوساط المحلية، عن إمكانية "تلزيم" سوريا الملف اللبناني، إنطلاقاً من التطورات القائمة على المستوى الإقليمي، خصوصاً لناحية إنفتاح السلطة الجديدة في دمشق على العديد من القوى الفاعلة في المنطقة، بالإضافة إلى لقاء رئيسها أحمد الشرع ونظيره الأميركي دونالد ترامب في السعودية.

في الصورة العامة، دعوات إلى الجانب اللبناني للإلتحاق بالمسار الذي يسلكه الشرع، مصدرها الولايات المتحدة تحديداً، أما حديث "التلزيم" فيأتي من باب التهويل الذي تروج له بعض الجهات المحلية، على قاعدة أن لبنان سيكون، في حال لم يتجاوب مع ما يُطرح عليه من مطالب، بين مطرقة الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وسندان السلطة الجديدة في سوريا ذات التوجهات المعروفة، لكن هل من المنطقي الحديث عن مثل هذا "التلزيم"؟.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن السلطة الجديدة في دمشق لديها ما يكفي من المشاكل التي عليها التعامل معها، تبدأ من الواقع الأمني ولا تنتهي عند الإقتصادي، بل تشمل أيضاً الإجتماعي، بسبب عدم ثقة معظم المكونات الطائفية والعرقية السورية فيها، وهي لا تزال تنتظر إنعكاس الوعود التي تقدم لها، خصوصاً على مستوى المساعدات أو الإستثمارات المالية، لتثبيت حضورها داخل حدودها.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أنه لا يمكن الحديث، في ظل هذه المعطيات، عن قدرتها على "الإلتزام" بأيّ ملفّ خارجي، بالرغم من أنها، منذ اليوم الأول لوصولها إلى السلطة، سعت إلى وضع نفسها في إطار مشروع إقليمي أكبر، عنوانه القضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة، من منطلق أن وجودها، بعد سقوط النظام السابق برئاسة بشار الأسد، يساهم في محاصرة "حزب الله" في لبنان، بسبب قطع خطوط إمداده البرية، وتضيف: "في الأصل الملف السوري هو بحد ذاته ملزم إلى أكثر من جهة إقليمية".

في هذا الإطار، لا يمكن إنكار واقع أن العديد من الأفرقاء المحليين لم يتأخروا في تعليق الرهانات على الواقع الجديد في سوريا، خصوصاً من الذين كانوا على خصومة مع النظام السابق، الأمر الذي ينطبق أيضاً على بعض الجهات الإقليمية، التي لا تزال تنظر إلى الوقائع من منطلق الصراع مع طهران، بينما في المقابل، لا يزال العديد من حلفاء النظام السابق ينظرون بعين الريبة إلى السلطة الجديدة في دمشق، لا سيما بالنسبة إلى سرعة التقلبات التي تذهب إليها، والتي تنقل البلاد من موقع إلى آخر، ضمن المعادلات المعروفة تاريخياً على مستوى المنطقة.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، لدى الجانبين السوري واللبناني العديد من المصالح المشتركة، التي لا يمكن إنكارها بأي شكل من الأشكال، لكن في المقابل هناك الكثير من الملفات الخلافية التي تحتاج إلى معالجة، أبرزها ملفي ترسيم الحدود والنازحين السوريين في لبنان، الأمر الذي تُفضل بعض الجهات اللبنانية الرسمية حضور رعاة السلطة الجديدة في دمشق الإقليميين في أي معالجة، بينما هناك في المقابل من يريد الذهاب بعيداً في الإنفتاح عليها، على قاعدة أن ذلك من العوامل المساعدة في تحسين علاقات لبنان الخارجية.

من وجهة نظر هذه المصادر، ما يذهب إليه البعض، عبر الحديث عن خطر "التلزيم"، ليس أكثر من مجرد تهويل، خصوصاً أن العنوان الأبرز الذي يقدم في هذا المجال، أي السعي إلى ضبط الحدود المشتركة بين البلدين، وبالتالي منع "حزب الله" من تهريب السلاح إلى الداخل اللبناني، هو من الإجراءات التي تقوم بها السلطة الجديدة في دمشق، لا بل هي تقدم ذلك كأحد أبرز الأوراق التي تستطيع أن تتفاوض بها مع الجهات الإقليمية المعنية.

في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن ليس هناك من جهة لديها مصلحة، في تكريس إنقسام من هذا النوع في الداخل اللبناني، لكنها في المقابل ترى أن هناك من يريد "التهويل"، من أجل زيادة الضغوط على بيروت، من ضمن سياق الصراع القائم حول مصير سلاح "حزب الله" في المرحلة المقبلة، على قاعدة أن التوازنات في المنطقة قد إنقلبت بشكل كامل.