كانت لافتة الزيارة التي قامت بها كتلة "الوفاء للمقاومة" الى قصر بعبدا منذ يومين، والابرز كان الكلام الذي صدر بعدها عن رئيسها النائب محمد رعد الذي اتسم بالكثير من الحدية "المضبوطة" والرسائل الموجهة الى الداخل والخارج على حد سواء.

ولا بد من التوقف عند موعد هذه الزيارة الذي قال عنه رعد ان الحزب اختاره، ما يعني انه تعمّد الصعود الى القصر الجمهوري بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، متسلّحاً بأصوات الناخبين المؤيدين الذين رسخوا حضور الحزب في الحياة السياسية، واعطوا لمحة عما ستكون عليه نتائج الانتخابات النيابية بعد سنة، وخصوصاً في الجنوب. وبالتالي، فإن لقاء الكتلة مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اتى من موقع اقوى مما كان سيبدو عليه الوضع لو حصل اللقاء قبل الانتخابات.

الدلالة الثانية التي حملها اللقاء، كانت انها المرة الأولى الذي يتم فيها التواصل بشكل مباشر بين الحزب والرئيس عون، مع العلم ان رئيس الجمهورية لا يفوّت فرصة الا ويتحدث عن التواصل غير المباشر القائم بينه وبين الحزب بالنسبة الى موضوع السلاح وغيره من الأمور، ورد عليه الحزب بالمثل حين تحدث رعد عن ان الأبواب مفتوحة مع رئيس الجمهورية وليست مغلقة.

اما النقطة الأهم التي يجدر التوقف عندها، فكانت مضمون الكلام الصادر عن رعد بعد اللقاء، والذي اتسم بلهجة قاسية بعض الشيء من دون تخطي سقفاً محدداً من اللياقة، وهو امر لطالما تميّز به "الحاج محمد" واهّله ربما لترؤس الكتلة، وما لم يقله بشكل مباشر، كان واضحاً انه حاضر بين السطور، ومفاده انه في ظل فورة الحديث عن سحب السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية، فإن سلاح حزب الله لا يشبه سلاح المخيمات، واذا باتت الظروف ناضجة للسيطرة على سلاح الفلسطينيين في لبنان، فإنها ليست كذلك في ما خص سلاح الحزب، ويجب الانتظار، لا بل يجب تحقيق بعض الشروط قبل الحديث عن هذا الامر ومنها: انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها، وإعادة الاسرى، والبدء بالاعمار.

هذا الامر يضع رئيس الجمهورية بين كفّي كمّاشة: الضغوط الخارجية وخصوصاً منها الأميركية لنزع سلاح الحزب بشكل سريع من جهة، وطلب حزب الله تحقيق ما يجب تحقيقه قبل التطرق الى موضوع السلاح من جهة ثانية.

مما لا شك فيه ان مقاربة الحزب لمسألة السلاح تغيّرت بشكل جذري عما كانت عليه في السابق. ففي العام 2007 مثلاً ادخل الحزب سلاحه في المعادلة الداخلية بعد ان "شعر" ان مسألة الاتصالات تستهدفه مقارناً إياها في ذلك الوقت انها بمثابة استهداف لسلاحه، وحصل ما حصل. وفي العام 2012، صدر اعلان بعبدا الذي قال عنه رعد في العام 2013 انه "ولد ميتاً". اليوم، تغيّرت المعادلات، وشئنا ام ابينا، يجب الاعتراف بأن الحزب خسر عسكرياً، ولكن حضوره الشعبي لا يزال قائماً وفاعلاً، كما ان بامكانه احداث اضطرابات امنية، انما من غير المرجح حصول هذا الامر نظراً الى انه سيعني فعلياً انتهاء الحزب على الصعد كافة، وعدم تقبله من احد في لبنان، ولن يستطيع بالتالي ان يستمر.

ما يمكن الاتفاق عليه هو ان معادلة القوة لم تعد نافعة لا بالنسبة الى الحزب ولا بالنسبة الى معارضيه، والمعادلة الوحيدة القابلة للتنفيذ، هي تلك التي ينادي بها عون: الحوار. لهذا السبب يميل الحزب الى رئيس الجمهورية ويبعد كثيراً عن رئيس الحكومة نواف سلام، وهو ما اتضح من قرار عدم تعليق الكتلة على كلام سلام حول السلاح وتصدير الثورة الإيرانية "حفاظا على بقية الودّ".

كل هذه المعطيات تعيدنا الى نقطة الأساس وهي: هل سيقتنع الخارج بوجوب الضغط على إسرائيل للانسحاب وإعادة الاسرى وسحب الذرائع امام الحزب للتمسك بسلاحه، ام سيقتنع الأخير بأن الضمانات هي التي ستعطيه حقه في الحياة السياسية بطريقة تتلاءم مع تطلعاته وتسرّع من تأقلمه مع المرحلة المقبلة؟.