وصل رئيس الوزراء المعين حديثاً في ​السودان​، ​كامل إدريس​، إلى ​بورتسودان​، بعد مرور أسبوع على تعيينه من طرف قائد الجيش السوداني ​عبد الفتاح البرهان​.

وكامل إدريس، متخصص في القانون، سبق أن شغل منصب مدير المنظمة الدولية للملكية الفكرية، ونصّ قرار تعيينه على منحه صلاحيات كاملة في تشكيل حكومته دون تدخل من أحد، حسب ما أعلن الجيش.

وذكر موقع "الراكوبة نيوز"، إنه "بعد انتظار دام طويلاً، ووزارة مكلّفة في غالبها، منذ انقلاب تشرين 2021، قرر مجلس السيادة في السودان، إحالة المهام المدنية إلى رئيس الوزراء، في ظل تحديات بالغة، وانقسامات كبيرة، ما يجعل مهمة إدريس في ظل الحرب أشبه بـ”السير في حقل ألغام”.

وأضافت أنه "سيكون عليه تفادي تأثير قادة الجيش عليه، والعمل على تقريب وجهات النظر بين كتل سياسية شديدة التنافر". القيادي في تحالف “صمود”، والأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان، يرى أنه “لا يمكن وصف كامل إدريس بأكثر من كونه موظفاً جديداً في السلطة التي تمركزت ببورتسودان، بعد حالة الانهيار الدستوري التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر 2021”، مضيفا أنه “منذ ذلك التاريخ، انفرد القائد العام للقوات المسلحة (الفريق أول عبد الفتاح البرهان) بإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية من دون أي تفويض شعبي أو شراكة مدنية وهو ما أنهى عملياً صلاحية هذه الوثيقة كمرجعية حاكمة”.

وأشار إلى أن القائد العام للجيش بات “يُعدل ويعيّن ويقيل من يشاء، في غياب أي غطاء دستوري أو شرعية سياسية”، و أن “سلطة بورتسودان تفتقد لأي سند قانوني، وكل من يعمل ضمن منظومتها، بمن فيهم كامل إدريس، لا يعدو كونه منفذاً لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة، من دون صلاحيات حقيقية أو غطاء مؤسسي مشروع”.

وتعيين كامل إدريس، اعتبره مراقبون انقلابا ناعما على تنظيم الإخوان المسلمين، المتحالف مع البرهان، وتشارك معه في الحرب الدائرة منذ منتصف نيسان 2023.

وبحسب صحيفة الراكوبة، فإن أنصار النظام السابق من الإسلاميين أنّ تعيين إدريس فيه تجاهل لأدوار الذين "قاتلوا" في صف الجيش، وعدّوه "طعنةً في الظهر"، لأنّهم كانوا يتوقَّعون تعيين شخصية من بينهم في المنصب؛ بسبب مشاركتهم في القتال مع الجيش.

وذكر القيادي الإسلامي الناجي عبد الله، في مقطع فيديو تم تداوله بصورة واسعة": إنّ تعيين إدريس "ليس بشارة خير"، واتّهمه بالانتماء لتحالف ​قوى إعلان الحرية والتغيير​ (قحت)، الذي كان يرأسه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وأنّه "ليس أقلّ سوءً منهم"، حسب قوله.

وتابع: "أقال البرهان حمدوك، وأتى بآخر أسوأ منه، يحمل جواز سفر أميركيًا، ويعيش في سويسرا"، وتساءل: "ألا يوجد رجال يملكون الإمكانات في السودان؟ لماذا يُؤتى بشخص شيوعي وجمهوري ينتمي لـ (قحت)؟".

في غضون ذلك، قال الباحث في الشؤون الدولية ومنطقة القرن الأفريقي فؤاد عثمان، "إن الحديث عن حكومة جديدة في هذا الظرف بالغ التعقيد لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري الذي تشكّل منذ انقلاب 25 تشرين الاول 2021، وتعمّق بصورة مأساوية مع اندلاع حرب 15 نيسان."

وأضاف في تصريحات لموقع “سودان تربيون”، "أن السودان دخل منذ ذلك الحين مرحلة من التشظي المؤسساتي، والاستقطاب الحاد، والتدهور المتسارع في بنية الدولة، حيث باتت البلاد رهينة معادلات القوة العسكرية، وتراجعت فرص الحلول السياسية المتوافق عليها"،وشدد على أنه "في ظل هذا الواقع، فإن أية خطوة تنفيذية -بما فيها تعيين رئيس وزراء- لا تكتسب معناها أو جدواها إلا إذا ارتبطت بإرادة واضحة لوقف الحرب، وابتدار عملية سياسية وطنية شاملة تتجاوز منطق التسويات الجزئية أو الثنائية."

من جهته، يرى الكاتب الصحفي السوداني صلاح شعيب، أن "كامل إدريس الذي عُيّن في الفترة الأخيرة رئيسًا للحكومة. يحاول تعزيز العلاقة بينه وبين دعاة الحرب “الإخوان” بعربون موقفه الحكومي الذي يجري مجرى الموقف الإخوانجي في منازلة الولايات المتحدة بالحدة الدبلوماسية في التصريحات".

وأكد أنه "في نهاية المطاف سوف ينتهي فعله في أحضان الحركة الإسلامية. التي أعقبت قيادات منها تعيينه بتجريب ابتزازه. فكثير من الإسلاميين رفضوا منحه المنصب، ووصفوه بأنّه فحاطي، وجمهوري، وعلماني."

بحسب الكاتب عبد المنعم همت، فإن كامل إدريس يواجه "تمددًا خطيرًا لكتائب الإسلاميين، الذين لم يغفروا له يومًا انتماءه إلى فضاءات العقل الأممي، ويعتبرونه غريبًا عن “الثورة” التي يتوهمون أنهم أوقدوا نارها. هذه الكتائب تتخفى داخل أجهزة الدولة، وتعمل على تصدير العنف كما كانت تفعل في أيامها الخوالي."

وأشار في مقال، إلى أن هذه الكتائب "تحلم بتكرار اغتيال حسني مبارك، وتتغنّى بإرث تفجير المدمرة كول، وتعيد إنتاج تحالفاتها القديمة مع منظمات وجماعات وأجهزة أمنية في دول لا ترى في السودان سوى مسرح للدم والتخريب." وأضاف أن "التحدي الأكبر لا يكمن فقط في تعدد الجيوش أو تغوُّل العسكر، بل في فساد منهجي تحول إلى بنية موازية للدولة، تُدار بوسائلها، وتُحمى بقوانينها، ويُعاد إنتاجها داخل الجهاز البيروقراطي نفسه. هذا الفساد ليس مجرد انحراف عرضي، بل هو عصب السلطة الحالية، والمادة اللاصقة التي تُبقي التحالفات غير الطبيعية على قيد الحياة."

وراى معتصم محمد دفع الله علي، أنه "يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لإعادة إنتاج النظام القائم في ثوب جديد، دون المساس بجوهره العسكري أو إنهاء الهيمنة الأمنية على القرار السيادي، بينما تستمر آلة الحرب في تدمير البلاد، وتزداد معاناة المواطنين يومًا بعد يوم. كما أن تعيين إدريس يأتي في سياق الترتيبات الشكلية التي دأبت عليها الأنظمة الاستبدادية، بتقديم شخصيات مدنية لإضفاء شرعية زائفة على حكم الفرد والتفرد بالسلطة."

وتابع في مقال نشرته صحيفة التغيير: "غير أن الشعب السوداني لم يخرج في ثورة ديسمبر المجيدة ليُفرض عليه من يحكمه دون إرادته، بل ناضل من أجل إقامة دولة مدنية تقوم على الشفافية والعدالة والمساءلة. ومن هذا المنطلق، يرفض السودانيون مثل هذه التعيينات الفوقية التي تفتقر إلى الشرعية الشعبية، وترسّخ الأزمة بدل حلّها، عبر إعادة تدوير السلطة تحت مسميات مختلفة."

وأضاف: "ويبدو واضحا أن هذا التعيين ليس سوى محاولة جديدة لتزييف إرادة السودانيين، وطمس حقيقة أن البلاد تحتاج إلى عملية سياسية تُنهي الحرب وتؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية، يكون فيها القرار بيد الشعب لا بيد من يحتكرون السلطة بقوة السلاح. وفي ظل هذا الواقع، يطرح كثيرون تساؤلًا مشروعًا: هل يمكن لتعيين شكلي صادر عن سلطة انقلابية أن يفتح أفقًا حقيقيًا للتحول الديمقراطي؟ أم أن الشعب السوداني، الذي أسقط طغاة بالأمس، سيواصل نضاله حتى يستعيد حقه الكامل في اختيار من يحكمه، وبناء دولة مدنية تُدار بإرادته الحرة، لا من خلف الكواليس؟."