يأتي موسم عاشوراء هذا العام في لبنان مختلفاً بكل المقاييس، موسم مثقل بالحزن، ليس فقط لاستذكار شهادة الإمام الحسين، بل لأن لبنان يعيش فصلاً دموياً جديداً من الحرب الإسرائيلية المفتوحة، التي أدت لاستشهاد كثيرين على رأسهم السيد حسن نصرالله، الغائب عن المشهد العاشورائي هذا العام، وهو ما يُضيف بُعداً سياسياً وأمنياً ثقيلاً إلى هذا الموسم.
بشعاري "أَوَفيت" لحركة أمل، و"ما تركتك يا حسين" لحزب الله، تنطلق اليوم ليالي عاشوراء التي لن تكون كسابقاتها، فالصورة تغيّرت والمجالس ستكون تحت سقف الحرب المفتوحة، وهذا ما تطلب إجراءات جديدة كلياً.
بحسب مصادر مطلعة، قرّر حزب الله هذا العام، تنظيم المجالس العاشورائية داخل "مجمع سيد الشهداء" في الضاحية الجنوبية، دون أن يكون معلوماً ما إذا كان الحزب سيعود إلى ساحة عاشوراء المفتوحة في منطقة الصفير-السانت تيريز في الليالي الاخيرة، خصوصاً أن الحرب الإسرائيلية لم تنتهِ، والعدو لا يتوقّف عن إرسال رسائل التصعيد والتهديد، ومسيّراته لا تغيب، ومن غير المتوقع أن تغيب عن ليالي إحياء عاشوراء في الضاحية وغيرها من الأماكن.
كذلك قرر الحزب هذا العام إقامة مجلس عاشورائي صباحي في مكان ضريح السيد نصر الله، حيث تحول المكان إلى ساحة سوداء ستشهد فعاليات عاشورائية ومضائف متعددة، وتدابير أمنية استثنائية أيضاً، تواكب الظروف الأمنية من جهة، وحجم الزائرين المتوقع من كل المناطق من جهة ثانية.
من جهتها، وبحسب المصادر، قرّرت قيادة حركة أمل تقريب موعد المجلس المركزي في منطقة معوّض، كي لا يمتد إلى ساعات الليل المتأخرة كما جرت العادة، مع قرار بتكثيف الأمن ولكن مع تقليص عدد الحواجز الأمنية، والتنسيق المطلق والكامل مع الجيش اللبناني الذي سيتولى بدوره تأمين مداخل المجالس المركزية.
أما في مدينة صور، وبعد قرار أول بإلغاء المجلس المركزي للحركة بسبب الظروف الامنية، والقلق من تنقّل الناس من القرى المجاورة إلى المدينة، قرّرت حركة أمل بحسب المصادر إقامة مجلس مركزي عصراً، بينما تم التراجع عن فكرة إحياء مجلس مركزي في بعلبك، بسبب حساسية الوضع الأمني عند الحدود الشرقية، والتوترات المتنقّلة في منطقة الحدود اللبنانية-السورية.
عيون مفتوحة للأجهزة
تشدد المصادر على أن الأجواء الأمنية ترافقها حالة استنفار مشددة، حيث تتكامل التدابير الأمنية بين الجيش اللبناني، والأجهزة الأمنية الرسمية، وعناصر الثنائي الشيعي الأمني، في محاولة لتأمين موسم عاشوراء ومنع أي محاولات خرق أو اعتداء، لا سيّما بعد عودة الحديث عن خلايا "داعش" النائمة، وتوقيف عناصر من التنظيم في الأيام الماضية، ووقوع استهداف مجرم للكنيسة الارثوذكسية في سوريا، ما أعاد إلى الواجهة سيناريو استهداف التجمعات الدينية والمجالس الحسينية.
وتضيف المصادر عبر "النشرة": "التنسيق بين الثنائي الشيعي والجيش اللبناني بلغ ذروته، مع وضع خطة محكمة لضبط مداخل المناطق التي ستشهد تجمعات عاشورائية، وتشديد نقاط التفتيش، وتقليص فترة بقاء الحشود في الشوارع، واتخاذ قرار مشترك بين قيادتي الحزب والحركة بعدم إقامة مسيرات مركزية ضخمة كما درجت العادة، بل حصر المسيرات داخل القرى والبلدات، كذلك تجنّب التجمعات الكبرى التي قد تكون هدفاً سهلاً في ظل الاستنفار الإسرائيلي، والتحليق المتواصل للطائرات المسيّرة فوق المناطق اللبنانية.
الحرب النفسية لضرب المشاركة؟
لا تخفي المصادر قلق الأوساط التنظيمية والحزبية من احتمال أن تُدخل إسرائيل، أو من يعمل معها، عنصر التوتير إلى مجالس عاشوراء، سواء من خلال نشر الخوف لتحريض الناس على عدم المشاركة، أو عبر نشر تهديدات لنقاط قريبة من مكان إقامة المجالس، أو إلقاء القنابل الصوتية بالقرب من التجمعات في قرى جنوب الليطاني كما يحصل مراراً، ولكن رغم كل ذلك، تؤكّد المصادر أن المشاركة الشعبيّة ستبقى في صلب المشهد، فالجمهور الذي اعتاد أن يُحيي ذكرى الإمام الحسين في أحلك الظروف، لن تُثنيه الحرب، ولا التهديدات، ولا التحريض الإعلامي، عن استكمال هذا الموسم الروحي والسياسي، وإن كان الإحياء هذا العام بطابع أمني مشدد، ومشهديّة ميدانيّة أكثر حذراً.
"موسم عاشوراء 2025 في لبنان، ليس ككل عام، فالإمام الحسين حاضر في كل بيت، لكن الساحة ناقصة، والحرب الإسرائيلية تجعل من كل زاوية نقطة تماس. ومع ذلك، بين الحذر الأمني والتعبئة الروحية، ستُرفع رايات عاشوراء، وستُسمع شعارات "يا حسين"، وسط عين مفتوحة على كل التفاصيل، وأمل بأن تمرّ هذه الليالي العاشورائية بسلام، في انتظار ما تحمله الجبهات من مفاجآت"، تختم المصادر.