احتفلت ​جامعة القديس جاورجيوس​ في ​بيروت​، بتخريج الدفعة الثانية لطلابها في اختصاصي علم الأحياء وتكنولوجيا المعلومات في كلية الآداب والعلوم، برعاية رئيس مجلس أمناء الجامعة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس الياس عوده وحضوره.

وقال عوده "نحتفل اليوم بثمرة جهد طويل وسنوات من التعب والدراسة. نحتفل، ليس فقط بالحصول على شهادة، بل بنضوج فكري وروحي، وببداية جديدة نحو حياة مليئة بالمسؤولية والعطاء".

واضاف: "اليوم، فيما تتخرجون متوجين سنوات من الجد والمثابرة، ومفتتحين حقبة جديدة ومسؤوليات أعظم، تختلط المشاعر بين الفرح والرجاء، بين الشكر على ما تحقق والتطلع لما هو آت. أيها الأحبة، العلم الذي حصلتم عليه ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة لصقل الذات وانفتاح العقل وتنمية الشخصية وتثمير المواهب".

وتابع عوده: "أنتم مدعوون اليوم لا لتعيشوا لأنفسكم بل لتكونوا نورا في عالم مظلم بالخطايا والمصالح وحب الذات ورفض الآخر واستغلاله، ولتكونوا ملحا في زمن فقد الكثير من القيم والأخلاق. هذا العيش من أجل الآخر يجعلكم قريبين من ملكوت السماوات، لأنكم تشابهون في أعمالكم عمل الرب الذي بذل نفسه من أجل خلاص العالم. لتكن شهاداتكم وإنجازاتكم ومراكزكم المستقبلية منصات لخدمة الخير والحق والعدل، وليس للكبرياء أو التفاخر والحسد. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "ليكن تعليمك سببا في خلاصك وخلاص من حولك". المعرفة الحقيقية لا تنفصل عن المحبة، والعلم من دون محبة ينفخ، أما العلم المغموس بمحبة الله وخليقته فيبني ويثمر ويدفع نحو التواضع".

وتوجه الى المتخرجات والمتخرجين قائلا: "لا تخشوا المستقبل حتى ولو بدا مظلما أو غامضا أو مبهما وصعبا في بلد تهزه أمواج الأزمات. لقد وعدنا الرب قائلا: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). سلموه طرقكم وهو يقوم سبلكم. لا تدعوا الخوف يشلكم، بل ضعوا كامل ثقتكم في من أعطاكم الحكمة والقوة والصبر، طيلة السنوات المنصرمة، من أجل إتمام دراستكم في المدرسة ثم الجامعة، وهو نفسه سيقودكم في دروب الحياة المستقبلية التي ستختارونها. لقد منح الله كلا منكم موهبة ورسالة، فلا تستهينوا بدوركم. أنتم لستم مجرد خريجين من جامعة، بل أبناء الله، سفراؤه في هذا العالم الذي هجرته الإنسانية والمحبة. أنتم مدعوون لتكونوا شهودا للحق في وسط الزيف، وأن تسيروا في النور ولو عم الظلام حولكم. قد تواجهون صعوبات وتجارب، وقد تصادفون من يحاول أن يثني عزيمتكم أو يشكك في قيمكم. تذكروا قول الرب: "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33)".

وتابع: "عالمنا يضج بالنزاعات والحروب والتسابق إلى تصنيع الأسلحة الفتاكة. نحن نشهد مدنا تقصف بلا رحمة، أطفالا يقتلون أو يموتون جوعا أو مرضا، بشرا عزلا يستهدفون في منطقتنا وفي العالم، في الكنائس والشوارع وحتى المدارس والبيوت دون إنسانية أو رادع أخلاقي. إنسان عصرنا يكره ويظلم ويقتل ويبيد من أجل إشباع جشعه إلى المال والسلطة والمجد، متناسيا أن الأعمار والمصائر في يد الله وقد تنتزع روحه منه في طرفة عين، ويسمع ما قاله الله لمن هدم أهراءه ليبني أكبر منها: "يا جاهل، في هذه الليلة تطلب نفسك منك، فهذا الذي أعددته لمن يكون؟" (لو12 : 20 ). لو شارك الإنسان أخاه بما وهبه الله من عطايا، لو أحب وأعطى، لو ثمر الأموال الطائلة في عمل الخير ومنع الجوع والفقر ومحاربة الجهل والتطرف ونشر السلام وتشجيع الأبحاث ومكافحة الأوبئة هل كنا نعاني من الحروب وتدهور الأخلاق وانحسار القيم وتراجع الحضارات؟ هل كان الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله يموت رخيصا، وحيدا، ولا تهتز الأرض لموته، فيما الأقوياء يتقاسمون العالم؟. أنتم أملنا. المستقبل لكم، وفي يدكم مصير بلدكم".

وختم قائلا: "وصيتي لكم أن تكونوا أمناء لما تسلمتموه. لا تجعلوا شهاداتكم مجرد وسيلة للترقي والمجد الشخصي، بل اجعلوها منبرا للمسؤولية والعطاء. بلدنا بحاجة إلى مواطنين حقيقيين، رحماء، شجعان، مستقيمين، يخدمون بأمانة ويقودون بمحبة".

بدوره، قال نائب رئيس الحكومة رئيس الجامعة طارق متري في كلمة توجه فيها الى المتخرجات والمتخرجين، إنكم "تعرفون كلكم أن جامعتنا ما زالت فتية، وان اشتد عودها وحظيت بسمعة طيبة ترتب علينا مضاعفة الجهد لتعزيزها. وهو ما يشعرنا جميعا في الأسرة الكبيرة التي صرناها بقيمة المشاركة في عملية البناء ومعنى الانفتاح على استقبال الأفكار الخلاقة، ما يساعدنا في العمل على رفع العوائق امامنا وفي التكيف مع الضرورات التي فرضت علينا بفعل الإنهيار الاقتصادي والمالي في لبنان. ولا يخفى عليكم ان الروح الخلاقة حفزت سعينا إلى التميز ومراجعة الذات والتعلم المستمر لا من النجاح والتقدم فحسب، بل من التردد والتعثر أيضا".

وأشار إلى "الأهمية التي أوليناها وأوليتموها، في تكنولوجيا المعلومات كما في علوم الأحياء والكيمياء، لتعزيز القدرة على التعامل مع المكتسبات المعرفية الحديثة بحس نقدي وإمتلاك الأدوات التي تيسر ذلك من خلال دراسة اللغة والثقافيات والإنسانيات. ويحدونا الأمل أن تبينوا جدارتكم إذا ما اختار عدد منكم الإنخراط السريع في ميادين العمل، قديمها وجديدها، في بلادنا أو في الخارج. فتسهمون في صناعة سمعة الجامعة الطيبة كما أسهمتم في بنائها والتعريف بها".