بعد انتهاء المواجهة العسكرية مع إسرائيل في تشرين الثاني 2024، التي افضت الى اتفاق وقف إطلاق النار، يواجه لبنان تحدياً معقداً يتمثل في نزع سلاح حزب الله، وهو ملف يتقاطع فيه الداخلي مع الإقليمي والدولي بطريقة غير مسبوقة. يمثل موقف الرئيس جوزاف عون نموذجاً للتوازن السياسي الحذر، حيث لا يزال يراهن على سحب أسلحة الحزب وأن تقتصر حيازتها على الدولة في عام 2025، انما عبر ربطه بحوار وخطة تدريجية. هذا الموقف يعكس الواقع السياسي المعقد، حيث لا يمكن للدولة اللبنانية فرض قرار أحادي على حزب الله من دون توقع مواجهة مخاطر أمنية وسياسية كبيرة.
لا بد من الإشارة الى بعض هذه التحديات التي قد يعتبرها البعض هامشية لانه متحمس لنزع السلاح، ولكنها أساسية وعميقة وحقيقية وتشكل خطراً على السلم الأهلي ووحدة البلد. التحدي الرئيسي يكمن في أن الحزب ليس مجرد ميليشيا فصيل مسلح، بل يمثل مكوناً أساسياً في النسيج السياسي اللبناني، مع قاعدة شعبية واسعة وتمثيل برلماني ووزاري. فقد ابدى مسؤولون في الحزب بالسر والعلن استعدادا للمناقشة مع الرئيس جوزاف عون حصرا حول هذا الموضوع في سياق استراتيجيه دفاع وطني او خطوات عملية اخرى لكن بشروط واضحه تتضمن الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي اللبنانيه كخطوة اولى.
ويشكل دخول المبعوث الأميركي توماس براك على الخط تطوراً مهماً في المعادلة، بعد ان أبلغ رئيس الجمهورية توليه الملف اللبناني موقتاً ريثما يتم تعيين موفد أصيل. هذا التدخل المباشر والسريع يعكس أولوية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحسم ملف السلاح، لكنه يطرح تحدياً جوهرياً: كيف يمكن للضغط الخارجي أن يحقق ما عجزت عنه الضغوط الداخلية طوال عقود؟ المعضلة تتجلى في أن الضغط المفرط قد يؤدي إلى انهيار الاستقرار النسبي الذي تحقق بعد اتفاق وقف الاعمال العدائية (ولو من جانب واحد)، فيما الضغط المحدود قد لا يحقق النتائج المطلوبة. يدرك براك هذا التعقيد، ولهذا يركز على مفهوم "حصر السلاح بيد الدولة"، بدلاً من النزع الفوري والكامل.
بالتوازي، لا يمكن فصل ملف نزع سلاح الحزب (او تسليمه) عن المعادلات الإقليمية الأوسع، خاصة العلاقة مع إيران وسوريا. فقد دخل هذا الملف مرحلة جديدة وحاسمة في أعقاب الحرب، لكن هذا لا يعني أن العوامل الإقليمية قد تلاشت. بل على العكس، قد تكون إيران أكثر حرصاً للحفاظ على نفوذها في لبنان بعد الخسائر التي تكبدها حلفاؤها، ولكنها بعد المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، باتت اكثر واقعية في مقاربة هذا الملف.
التحدي الاستراتيجي يتمثل في أن هذا السلاح ليس مجرد أداة عسكرية، بل رمز لمشروع المقاومة الإقليمي، ومن الطبيعي ان يتطلب التخلي عنه، إيجاد بدائل استراتيجية مقنعة للحزب وقاعدته الشعبية، وهو ما لا يمكن تحقيقه عبر الضغط أو التهديد فحسب. حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي حول مسألة السلاح، تبقى التحديات العملية ضخمة. من يقوم بجمع السلاح؟ كيف يتم التعامل مع الأسلحة المتطورة؟ ما هو مصير المقاتلين؟ هذه أسئلة لم تجد أجوبة واضحة في التجارب المماثلة إقليمياً ودولياً. فالجيش اللبناني، بحكم إمكاناته المتواضعة جداً، لا يملك القدرة على فرض سيطرته على مناطق نفوذ حزب الله من دون اتفاق، وليس في وارد الدخول في مواجهة عسكريّة معه، وهذا الامر يزيد التعقيدات.
لا شك ان غياب سلاح الحزب يشكل تحولاً جذرياً في الاعمدة الاساسية للسياسة اللبنانية والمعادلات الإقليمية، وليس مجرد قرار إداري أو ضغط خارجي. النجاح في هذا الملف يستلزم رؤية استراتيجية شاملة تأخذ بالاعتبار المخاوف الأمنية للحزب، وتوفر بدائل مقنعة لدوره العسكري، وتحقق توازناً دقيقاً بين الضغوط الخارجية والاستقرار الداخلي.
لا ينكر احد ان مجرد الإعلان عن نية لبنان نزع السلاح او سحبه وبحث القضية بشكل علني، هو خطوة كبيرة لها دلالاتها، ولكن لا بد من إيجاد صيغة عملية قابلة للتطبيق تحافظ على الاستقرار وتحقق المطالب الدولية، من دون إثارة أزمة داخلية جديدة قد تقوض كل ما تحقق من تقدم سياسي في لبنان.