أشار رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة إلى "تمايز المقاربة التي يعتمدها الموفد الأميركي الحالي توم برّاك، مقارنةً بسابقته مورغان أورتيغس"، لافتاً إلى أن "برّاك يتميّز بخلفية لبنانية وخبرة دبلوماسية تجعله أكثر مرونة في الطرح وأدق في التعبير، مع محافظته على ثوابت الإدارة الأميركية".
وأكد أنّ "برّاك أظهر خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين رغبة صادقة في التواصل، اتسمت بالتواضع واللياقة، وهو ما لم يظهر خلال زيارة أورتيغاس السابقة. وأوضح أن الموفد الأميركي عبّر عن وجود متغيرات كبرى في لبنان والمنطقة، مشدداً على ضرورة أن يدرك الجميع، وخصوصاً في لبنان، أن دور الميليشيات المسلحة قد انتهى، وأن الوقت قد حان للاستفادة من الفرص المتاحة لتعزيز سيادة واستقلال لبنان".
ولفت إلى أن "برّاك نقل رسالة واضحة بوجوب حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية"، مؤكداً أن "هذا الأمر هو في مصلحة اللبنانيين قبل أن يكون مطلباً أميركياً أو إسرائيلياً، وهو منصوص عليه في اتفاق الطائف، وفي القرارات الدولية 1559 و1701". وأوضح أن "الموفد الأميركي شدّد على أن لا ضمانات بوقف إطلاق النار من جانب إسرائيل في الوقت الراهن".
ورأى أن "هناك إمكانية للتقدم في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، عبر اعتماد سياسة "الخطوة خطوة"، بما يشمل المطالب اللبنانية كالانسحاب من الأراضي المحتلة، وقف الأعمال العدائية، إطلاق الأسرى، وبدء عملية إعادة الإعمار، مقابل سحب السلاح غير الشرعي من يد حزب الله، وهو أيضاً مطلب لبناني داخلي".
وأكد أن "الورقة اللبنانية التي تم تسليمها للموفد الأميركي تعكس موقفاً وطنياً موحداً، وقد سمعها من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام الذين بدورهم سمعوا بوضوح الموقف الأميركي". ولفت إلى أن "كل الخطابات الرسمية من رئيس الجمهورية، إلى رئيس الحكومة، إلى رئيس مجلس النواب، تؤكد تمسّك الدولة اللبنانية بحصرية السلاح، رغم رفض حزب الله الالتزام بذلك حتى الآن".
وأوضح أن "الموفد الأميركي اعتبر مسألة سلاح حزب الله شأناً داخلياً، وعلى الحزب أن يدرك خطورة الوضع، ويتصرّف بحكمة وصراحة، لأن الإنكار والاستمرار في التسلح خارج سلطة الدولة لم يعد يجدي نفعاً. وشدّد على أن فصل المسارين اللبناني والإيراني أصبح ضرورياً، ولا يمكن للبنان الاستمرار في سياسة المراوحة".
واعتبر السنيورة أن "برّاك كان واضحاً بقوله إن الوقت لا يعمل لصالح لبنان، وإن المماطلة لن تجلب نتائج"، داعياً اللبنانيين إلى "قراءة التحولات في سوريا والمنطقة بعين استراتيجية، وعدم التعويل على تطورات غير واقعية". ولفت إلى أن واشنطن لم تعطِ ضمانات بوقف الاغتيالات أو الاعتداءات الإسرائيلية، التي لا تملك الدولة اللبنانية وسائل عملية لردعها، بسبب اختلال ميزان القوى.
كما أكد أن "مذكرة الأفكار التي قدّمها الجانب اللبناني نوقشت مع الموفد الأميركي، وأن تطبيق القرار 1701 بات أمراً ملحاً، مع ضرورة التقدم في ملفات الأسرى والنازحين، والانطلاق في إعادة الإعمار، واستعادة العلاقات الأخوية مع سوريا".
واعتبر أن "الفرص المتاحة الآن يجب اغتنامها، وإلا فإن لبنان سيضطر لاحقاً إلى القبول بتفاهمات أكثر إيلاماً من تلك التي فرضتها تفاهمات 27 تشرين الثاني 2024، والتي سمحت لإسرائيل بتنفيذ اعتداءات تحت غطاء الدفاع عن النفس، بدعم أميركي واضح".
وختم بالتشديد على أن "الحكمة والحزم معاً يجب أن يقودا القرار اللبناني اليوم"، مشيراً إلى أن "التقاعس عن تطبيق القرارات الدولية منذ العام 2006، أضاع على لبنان فرصاً كثيرة، وحان الوقت لتصويب المسار الوطني نحو دولة قادرة ممسكة بالسلاح وقرار السلم والحرب".