على الرغم من خطورة تصريح الموفد الأميركي توم براك، الذي يحذر من عودة ​لبنان​ إلى "بلاد الشام"، إلا أنه تحول، كما هي العادة، إلى مادة سجال داخلية بين الأفرقاء السياسيين، خصوصاً بعد أن ربط بعملية معالجة ملف سلاح "​حزب الله​"، من دون التنبه، رغم التوضيح اللاحق الذي صدر عن براك نفسه، إلى أن الموضوع لا يمكن أن يوضع في سياق "زلة لسان".

في هذا الإطار، قد يظن البعض أن مثل هكذا مخططات، من الصعب أن تكون موجودة في عقل الإدارة الأميركية الحالية، لكن في المقابل من الضروري التذكير بأن رأس هذه الإدارة دونالد ترامب، لا يتوقف عن الدعوة إلى ضم كندا وجزيرة غرينلاند إلى الولايات المتحدة، وبالتالي "العبث" بالخرائط الجغرافية للدول ليس أمراً مرفوضاً من قبل هذه الإدارة، ما يعني انه من الطبيعي التعامل مع ما تحدث عنه براك على أساس أنه فرضية قائمة بأقل تقدير.

هذه الفرضية، تتعزز عند مقاربة مختلف المواقف التي يدلي بها الموفد الأميركي، الذي يتسلم مسؤولية سفير الولايات المتحدة في تركيا ومبعوثها إلى ​سوريا​ ولبنان، نظراً إلى أنه قبل فترة قصيرة، كان قد وجه إنتقادات إلى إتفاقية سايكس-بيكو، معتبراً أن الغرب ارتكب، قبل قرن من الزمن، "خطأ تاريخياً" بتقسيم المنطقة عبر خرائط وقرارات استعمارية، في حين أن تصريحه كان قد تضمن الإشارة إلى أن السوريين يعتبرون لبنان "منتجعهم البحري".

في المرحلة الحالية، تُظهر الولايات المتحدة دعماً كبيراً للسطة الجديدة في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، معتبرة أنها النموذج الذي على بعض دول المنطقة التعلم منه، لا بل أن براك نفسه كان قد وجه إنتقادات إلى "قوات سوريا الديمقراطية"، التي كانت متحالفة مع واشنطن طوال سنوات الحرب في سوريا، في سياق إظهار الدعم لهذه السلطة، لا سيما بعد أن بادرت إلى فتح قنوات إتصال جدية مع الجانب الإسرائيلي، من منطلق ما كان قد تحدث عنه الشرع نفسه عن "الأعداء المشتركين".

هنا، من الممكن الحديث عن معطيين أساسيين من أجل السيناريوهات المحتملة في المستقبل: الأول هو أن الشرع نفسه، بما تحمله هذه الشخصية من تاريخ معروف، لا يمكن أن يشكل عاملاً مطمئناً لمختلف المكونات الطائفية والعرقية في سوريا، التي تكرر بشكل دائم مطالب الإنفصال عن سلطته والحماية الدولية، وبالتالي عندما يستخدم، من قبل واشنطن، لإرسال رسالة إلى الجانب اللبناني، يكون المطلوب دفع مختلف المكونات إلى التفكير بالمطالب نفسها، للأسباب الموجبة التي لدى المكونات السورية، بغض النظر عن قدرته على تحقيق ذلك.

المعطى الثاني، الذي قد يكون الأخطر من الناحية العملية، هو ورقة ​الجماعات الإرهابية​، التي قد يكون تنظيم "داعش" أخطرها، حيث بات من الواضح أن هناك رغبة في تضخيم مخاطر هذه الجماعات على الساحة اللبنانية، لا سيما أن داخل السلطة الجديدة في دمشق من هو منتمي إليها، حيث تكفي الإشارة فقط إلى ملف المقاتلين الأجانب، الذي يحاول الشرع إقناع المجتمع الدولي بالقدرة على السيطرة عليه من خلال منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش، ولكن هل كان هذا هو هدف هؤلاء المقاتلين عندما قرروا الإنتقال إلى سوريا للمشاركة في الحرب؟.

ما تقدم، يقود إلى السؤال عن الكلفة التي من الممكن أن تدفع، للوصول إلى هذه المرحلة، حيث هناك من يعتبر أن هذه المخططات لا يمكن أن تتم من دون حروب وعمليات تهجير، لا بل حتى إرتكاب مجازر، الأمر الذي ليس من السهل أن يمر مرور الكرام، لكن بالعودة إلى كل ما حصل، في السنوات الماضية، على مستوى المنطقة، يتأكد أن ذلك من الممكن أن يقع بكل سهولة، بدليل ما حصل في فلسطين وسوريا ولبنان من مجازر، بالإضافة إلى أن ترامب نفسه يتبنى أبرز مشاريع التهجير، أيّ تهجير سكان غزّة من أرضهم.

في المحصلة، مثل هذه المخططات ليس من المستحيل مواجهتها، إلا أنّ الأمر لا يمكن أن يتم على قاعدة إستنفار العصبيات الطائفية والمذهبية، التي على العكس من ذلك تقدم أكبر خدمة لها.