يحلو للبعض تأليه او تقديس او تعظيم الرئيس السوري الحالي احمد الشرع (ابو محمد الجولاني) لغاية في نفس يعقوب، او لمصالح ضيقة تنحصر في كيفية استفادتهم شخصياً من وجوده في الحكم على الصعد السياسية او المالية او الاقتصادية او غيرها... واذا كان يحقّ لهؤلاء التفكير كما يريدون واقتناع بما يرغبون به، فإنه لا يحق لهم التغرير والتضليل بالآخرين، والخروج علناً لاعطاء دروس كاذبة وغير واقعية عن بطولات الشرع (الجولاني) وانجازاته. يقول هؤلاء ان ما انجزه في الاشهر القليلة التي تسلم فيها الحكم في سوريا، لا يمكن لسواه ان يقوم به على مدى سنوات او عقود من الزمن... يا للروعة! فلنحاول جاهدين معرفة ما "أنجزه" الرئيس السوري البديل خلال الفترة الماضية: الايجابية الوحيدة التي حصدها تمثلت في اشادة المسؤولين العرب والدوليين به، وهذا موقف شخصي من قبل هؤلاء المسؤولين، لا يمت الى الواقع بصلة، والدليل انهم غيّروا موقفهم منه شخصياً خلال فترة زمنية قصيرة جداً، وتحوّل بالنسبة اليهم من مجرم وقاتل الى احد "صانعي السلام".
اما "الانجازات" الاخرى، فلم نجد منها سوى المزيد من المآسي بالنسبة الى السوريين، وتنامي الحديث عن سلطة الفصائل المسلحة واعضائها من المرتزقة الذين لا يقيمون وزناً الا لما يعود عليهم بالفائدة، فلا سلطة له على الكثير منهم، وهم عاثوا قتلا وتدميراً وتهجيراً لكثير من السوريين، واضطهدوا المسيحيين وعدد من المسلمين والدروز، وكان "الانجاز" انه وعد بمعاقبتهم من دون اي عمل ملموس في هذا السياق، حتى انه توصل الى "صفقات" معهم لتمرير الامور بـ"افضل الممكن". ومن "انجازاته" ايضاً، توجيه سوريا بسرعة البرق نحو التقسيم، وما كان يحكى عنه سراً في السابق، بات اليوم واضحاً على ارض الواقع، في ظلّ ما تقوم به اسرائيل وتركيا وربما غيرهما من الدول في مرحلة لاحقة.
اما "الانجاز" الاكبر فهو تهديده لاسرائيل بالحرب، وهذا ما يمكن اعتباره نكتة الموسم. يهدد الشرع (الجولاني) بالحرب بجيش عمد الى حلّه من دون تأمين بديل له، وبسلاح لا يملك منه سوى الفردي او المتوسط في احسن الاحوال بعد ان دمّرت اسرائيل كل ترسانة سوريا من الاسلحة الثقيلة والبعيدة المدى، براً وبحراً وجواً، وبتضامن سوري لا وجود فيه الا لقلّة قليلة تقف خلفه، فيما البلاد تعاني من حالة تشرذم لا تشفع بها كل الاشادات والمديح الذي يكيله المسؤولون العرب والغربيون للرئيس السوري البديل. وحتى التهديد سرعان ما تراجع عنه، واوضح انه فضّل "وحدة سوريا" على الدخول في الحرب مع اسرائيل، ليس خوفاً، بل لاسباب اخرى لها علاقة بالوطنية!.
قد تكون هناك "انجازات" اخرى كالتي عددتها آنفاً، ولكن بالمفهوم الواضح للكلمة، لا يمكن بموضوعية، ايجاد انجاز يمكن التعويل عليه للقول بأن سوريا حالياً انتقلت من حالة الى اخرى، وان السوريين نبذوا نظام الاسد غير آسفين، ودخلوا نظاماً آخر نقلهم الى الشعور بالمواطنية الحقيقية وامّن لهم الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والمالي بدعم غير مسبوق من كل دول العالم. وقد نجد انه من "الانجازات"، تفضيل دروز سوريا اسرائيل على الدولة السورية، وتقبّلهم لهذا الواقع الذي شهد ضمّهم الى الادارة في تل ابيب بعد ان تم التخلي عنهم من دون محاولة المقاومة (ولو انها لن تؤدي غايتها، الا انها على الاقل تبقي المحتلين في حال من القلق والتوتر).
تتقاطع التحليلات والانباء من كواليس المشهد السياسي الدبلوماسي، على ان الشرع (الجولاني) تم صنعه لاداء دور محدد ضمن سيناريو معد سلفاً، على ان يتم بعدها ازاحته من الصورة (وهنا يتردد الكثير من الكلام عن امكان اغتياله)، واستبداله بشخصية تتعامل مع الواقع الجديد الذي سيطرأ والذي ستكون عليه سوريا بعد حقبة الشرع (الجولاني).