على وقع المواقف المتناقضة التي أدلى بها الموفد الأميركي توم براك، خلال زيارته الثالثة إلى لبنان، إنطلقت حملة كبيرة من التهويل الداخلي، ضمن سياق ما كان يُطرح في الأصل طوال الفترة الماضية، بالتزامن مع شن حملة لم تستثن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، على قاعدة التأخر أو عدم المبادرة إلى الإلتزام بما هو مطلوب من لبنان، بالنسبة إلى ملف سلاح "حزب الله"، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع الداخلي.
هذه الحملة، لا تتوقف على بعض القوى أو الجهات الداخلية، بل تشمل أيضاً جهات خارجية، تسعى إلى إحداث شرخ في الساحة المحلية، يكون بديلاً عن أي مواجهة جديدة مع الجانب الإسرائيلي، بالرغم من إستمرار الإعتداءات اليومية التي تقوم بها تل أبيب، في حين كانت قد برزت، في الأيام الماضية، المزيد من الأخطار، أبرزها التطورات على الساحة السورية، خصوصاً بعد أحداث محافظة السويداء.
في هذا السياق، تشدد مصادر نيابية، عبر "النشرة"، على أن لبنان لا يستطيع أن يقدم أكثر مما قدمه إلى الموفد الأميركي، خصوصاً أن واشنطن، التي من المفترض أن تكون الضامن الأساسي لإتفاق وقف إطلاق النار، لا تريد أن تبادر إلى أي خطوة، بالنسبة إلى إلزام إسرائيل بما هو مطلوب منها في الإتفاق، بل بالعكس ترى أن على بيروت تقديم المزيد من التنازلات، في حين أن ما يذهب إليه البعض في الداخل يأتي في إطار المزايدات السياسية لا أكثر.
هنا، تذهب هذه المصادر إلى التأكيد أنه، من الناحية العملية، لا يمكن أن يُصار إلى مطالبة "حزب الله" بالذهاب إلى المزيد من الخطوات، في ظل إستمرار الإحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى الإعتداءات اليومية وعدم إطلاق سراح الأسرى، مشيرة إلى أن الموقف الرسمي اللبناني، منذ البداية، كان يشير إلى أن ذلك من العوائق التي تحول دون القدرة على الإنتقال إلى مرحلة جديدة، في ما يتعلق بملف سلاح الحزب، بحسب ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري لحكومة نواف سلام.
في الخطاب الماضي لأمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، لم يحصر التهديدات، التي وصفها بـ"الوجودية"، بإسرائيل، بل تحدث عن تنظيم "داعش" والضغوط التي تمارس على الدولة اللبنانية، الأمر الذي يكشف عن حقيقة الهواجس القائمة في هذا المجال، خصوصاً أن الجميع يدرك ما هي نظرة الفصائل الحاكمة في سوريا إلى الحزب، لا بل أن حالة القلق القائمة لا تقتصر عليه أو على البيئة الشيعية فقط، بل تشمل القسم الأكبر من اللبنانيين.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الواقع السوري يزيد من التعقيدات الحاضرة في هذا الملف، خصوصاً أن السلطة الجديدة في دمشق تسعى منذ اليوم الأول، إلى تقديم نفسها كجزء من مشروع معادٍ لـ"حزب الله"، وربما تعمد إلى ما هو أبعد، في الفترة المقبلة، من منطلق السعي إلى تخفيف النظرة العدائية لها من جانب تل أبيب، بينما لا يمكن إنكار الهاجس الذي يمثله ملف النازحين السوريين، لا سيما في المناطق المحسوبة على البيئة الشيعية.
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ الضمانات المطلوبة، من قبل الولايات المتحدة، لا تقتصر على الشقّ المتعلّق بالجانب الإسرائيلي، بل أيضاً بالواقع القائم في سوريا، لا سيما أنّ واشنطن تقدّم نفسها، بالإضافة إلى العديد من الجهات الإقليميّة، كداعم أساسي للرئيس الإنتقالي أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، خصوصاً أن براك نفسه كان قد أشار إلى أن خطر السيناريو الليبي أو الأفغاني في سوريا لا يزال قائماً، وبالتالي لا يمكن توقع ما قد يحصل في المستقبل.