كما يشتاق الايل الى مجاري المياه، هكذا تشتاق نفسي اليك يا الله هذا ما جاء في العهد القديم "مزمور 42"، أما القديس اغسطينوس فقال: "لقد خلقت قلبنا لك يا الله، ولا يزال قلقا مضطرباً حتى يرتاح فيك".
هذا القلق الوجودي الانتربولوجي في قعر الوجدان البشري، لا يجد له جواباً ولا معنى الا بالحضور الالهي في قلب الانسان ووجدانه. لان كل شيء باطل، كما صرخ الملك سليمان باطل الاباطيل وكل شيء باطل، ولم يجد الملك المذكور الذي عاش شهوات العالم كلها، كما قال القديس يوحنا: شهوة الجسد وشهوة السلطة وشهوة المجد، فكل هذا لم يشبع قلبه، بل بقي عطشاً جائعاً الى معنى آخر في حياته، غير هذه الفنائية والزوال والعبور والتغيير.
هذا الانسلاخ الدائم الذي لا يجد له ثابتاً الا الحضور في قلب الله، والا فلا استقرار ولا سكينة في الكائن البشري المجروح بالمعطوبية الوجودية، لانه وجع الفنائية والرحيل والغياب والانزياح، اي الخروج عن الزيح Aliénation او الاستيلاب بالمعنى الانتربولوجي.
هذا التوق الى الثابت الوحيد المطلق الالهي، لا تشبعه الفنائيات الزائلة والعابرة، التي لا تشبع القلب الذي خلق للازليات الدائمة وغير المتحولة والزائلة. وهذا ما قال عنه القديس يوحنا: شهوة الجسد شهوة السلطة، شهوة المجد. الانتربولوجيا لا ترتوي ويهدأ عطشها الا بالثيولوجيا اي الحضور الالهي.
هذا الجوع الالهي الذي لا يشبع، وهذا العطش الديني الذي لا يرتوي، وهذا الظمأ السماوي الذي لا يهدأ هو الجرح العميق في وجودنا المعطوب والذي لا يشفى الا باللقاء مع الله والاكتفاء به.
هذا الظمأ الديني كما يصفه احد أصدقائي وهو فيلسوف كبير من المفكرين العراقيين، هو الظمأ المقدس، وهو حاجة وجودية للانسان للبحث عن معنى وروحانية في حياته، تتجاوز الجانب المادي والمظاهر الخارجية. انه الظمأ الانطولوجي الإنساني والمثبت كالمطلق الذي يجوع ويعطش وله قلب، والخروج من الطقوسيات الفريسية الخشبية الفارغة.
ان ظمأ ملك البشرية العاشقة للمطلق الالهي، هذا هو مسار التصوف والفكر الصوفي الروحي السماوي الذي نجده عند تريزا الافيلية، ويوحنا الصليبي، وجلال الدين الرومي، والشهرستاني، والسهروري، والحلاج، وابن عربي.
هذه الايستمولوجيا وابجدية الدخول في عالم القلب والروح، والغرق بالله والتصوف والتنسك، فهذا ما كتبته في قصائدي التصوف والعشق الالهي، فلا ارتواء لظمئنا الديني الا بالحضور الالهي، واللقاء بالوحيد المطلق الازلي.