بعد أسابيع من الترقب والنقاش، والضغوط الداخلية والخارجية، ولا سيما الأميركية، حسم رئيس الحكومة ​نواف سلام​ الجدل القائم، فدعا رسميًا إلى ​جلسة حكومية​ تُعقد يوم الثلاثاء المقبل، وعلى جدول أعمالها "بحث مسألة ​حصرية السلاح​ بيد الدولة"، وذلك بعد أيام فقط على انتقاد الموفد الأميركي توم براك للمسؤولين اللبنانيّين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بقوله إنّ "الكلمات لا تكفي"، وإنّ المطلوب خطوات ملموسة لسحب سلاح "​حزب الله​" وغيره من التنظيمات.

وتأتي هذه الدعوة أيضًا في وقت كانت تتصاعد فيه الأصوات المعترضة على "تغييب" الحكومة عن النقاشات الدائرة بشأن مسألة السلاح، خصوصًا من جانب رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​، الذي جدّد في مقابلة صحافية هذا الأسبوع رفضه للتكتيك المعتمد من قبل رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب في هذا الصدد، ليس في الشكل فحسب، ولكن في المضمون أيضًا، مع تحذيره من "صيف ساخن" يمكن أن ينتظر اللبنانيين في حال استمرار المماطلة.

أكثر من ذلك، اعترض جعجع على المنطق القائل بأنّ المضيّ إلى الأمام في سحب السلاح، من دون موافقة "حزب الله"، يمكن أن يؤدّي إلى حرب أهلية أو صدام داخلي، داعيًا إلى قرارات تنفيذية عاجلة لسحب السلاح من كل التنظيمات المسلحة، من دون الحاجة إلى "تنسيق" مع أي طرف، في إشارة واضحة إلى "حزب الله"، وهو ما أثار علامات استفهام خصوصًا في ظلّ موقف الحزب الذي لا يزال متحفّظًا، أو مطالبًا بالحدّ الأدنى بضمانات أمنيّة.

فهل باتت الحكومة فعلاً أمام لحظة مواجهة محتملة مع الحزب، الذي هو جزءٌ لا يتجزّأ منها؟ وما السيناريوهات المحتملة لما بعد جلسة الثلاثاء؟ وهل نحن أمام تحوّل نوعي في مقاربة الدولة اللبنانية لملف السلاح، أم أن الأمر لا يعدو كونه محاولة جديدة لامتصاص الضغط وتسجيل موقف سياسي؟.

رغم أنّ الجلسة الحكومية لم تُعقد بعد، إلا أنّ الدعوة إليها بحد ذاتها كانت كفيلة بفتح سجال في الداخل اللبناني، ولا سيما أنّ مسألة حصرية السلاح بيد الدولة، وإن كانت مكرّسة في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام نفسه، تبقى من أكثر القضايا إشكالية، باعتبارها تتصل بشكل مباشر بوضعية "حزب الله" وسلاحه، الذي لطالما تمّ التعامل معه على قاعدة "الاستثناء" من المنظومة الرسمية، تحت عناوين تتراوح بين "المقاومة" و"الدفاع المشروع".

من هذا المنطلق، فإن مجرد طرح البند على طاولة الحكومة يُعدّ، في نظر كثيرين، تطورًا نوعيًا، يعكس حجم الضغوط التي تتعرض لها الدولة اللبنانية، وخصوصًا من الجانب الأميركي، في ضوء التطورات المتسارعة على الجبهة الجنوبية، والتخوف من انزلاق الوضع إلى مواجهة شاملة، وهو ما عبّر عنه المبعوث الأميركي توم براك في تغريدته الأخيرة، كما عكستها التسريبات الصحفية التي أشارت إلى أنّ واشنطن ستجمّد وساطتها إن لم تلحظ أيّ تقدّم.

لكن في مقابل هذا التفسير الخارجي، ثمّة من يربط توقيت الجلسة بعوامل داخلية أيضًا، أبرزها تصاعد أصوات الاعتراض، ولا سيما من "القوات اللبنانية"، التي تتهم الحكومة بالتقاعس، وبـ"ممالأة" الحزب، وتطالبها بقرارات تنفيذية لا تحتمل التأجيل. وقد عبّر جعجع بوضوح عن هذا الموقف في مقابلته الأخيرة مع "الشرق الأوسط"، حين اعتبر أن على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها، وتظهر "هيبة الدولة" من خلال تكليف الجيش بتنفيذ القرار.

عمومًا، ومع تبلور ملامح الجلسة المرتقبة، برزت قراءات متباينة بشأن أهدافها وإمكاناتها الفعلية. ففيما ترى قوى سياسية أن مجرد انعقاد الجلسة يمثّل خطوة إلى الأمام، يعتبر آخرون أن لا جدوى منها في ظلّ عدم نضوج توافق وطني حول الأمر، وباعتبار أنّ المبدأ منصوص عليه في البيان الوزاري، وسط انطباع سائد بأن الحكومة ليست في وارد مواجهة "حزب الله"، بل إنّ شيئًا لن يصدر على الجلسة بدون موافقته ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

في المقابل، ينظر خصوم الحزب إلى الجلسة باعتبارها "اختبار نيات"، وأنها ستكشف ما إذا كانت الدولة راغبة فعليًا في فرض سلطتها، أم أنها لا تزال خاضعة لمنطق المحاصصة والتوازنات. ويعتبر هؤلاء، وعلى رأسهم "القوات"، أنّ الملف لم يعد يحتمل المماطلة، خصوصًا في ظل موقف المجتمع الدولي الحازم، ويصرّون على أنّ مقرّرات الجلسة يفترض أن تبتعد عن العموميّات، لتضع جداول تنفيذية واضحة.

لكن، إذا كانت الجلسة ستُعقد فعلاً، فهل يمكن الرهان على نتائج حاسمة تصدر عنها من هذا القبيل مثلاً؟ وهل تمتلك الحكومة القدرة، سياسيًا وميدانيًا، على اتخاذ قرارات تنفيذية وجدية بشأن سلاح "حزب الله"؟.

الجواب، برأي كثيرين، سلبي حتى الآن. فالبيئة السياسية الداخلية لا تزال منقسمة بحدة حيال الملف، و"الفيتو" السياسي على أي قرار يُعتبر استهدافًا للحزب لا يزال قائمًا، ما يعني أنّ أقصى المتوقع من جلسة الحكومة يبقى حتى الآن، تأكيد على الموقف العام بحصرية السلاح بيد الدولة، لكن مع التأكيد أيضًا على أنّ السيادة واحدة لا تتجزأ، وبالتالي فإنّ هذا المسار لا يمكن أن يكتمل من دون وقف خروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار أولاً.

وفي وقت لا يبدو أنّ "حزب الله" في وارد تقديم أيّ تنازلات فعلية من دون ضمانات، ثمّة من يتحدّث عن عقبات جمّة تحول دون الذهاب فعليًا إلى "الحسم" في هذه الجلسة على الأقلّ، من نوع تكليف الجيش بتنفيذ نزع السلاح خلال مهلة زمنية محددة، ولا سيما أنّ المؤسسة العسكرية نفسها ليست في وارد الدخول في اشتباك داخلي، علمًا أنّ ما تحقّق منذ تشرين الثاني حتى اليوم، خصوصًا في مناطق جنوب الليطاني، ليس بقليل.

في المحصلة، لا شك أنّ طرح ملف السلاح على طاولة الحكومة يُعدّ تطورًا غير بسيط، سواء جاء نتيجة ضغوط دولية أو رغبة داخلية في إعادة الاعتبار لمفهوم السيادة. لكن، في غياب توافق سياسي عريض، واستمرار الانقسام العامودي في مقاربة هذا الملف، تبقى الأسئلة الجوهرية مطروحة: هل تملك الدولة أدوات التنفيذ؟ وهل يمكن فعلاً ترجمة المبادئ السيادية إلى قرارات قابلة للحياة؟ أم أننا أمام فصل جديد من لعبة التذاكي السياسي، يهدف إلى امتصاص الضغط لا أكثر؟.

مهما كانت الإجابة، فإن جلسة الثلاثاء ستكون محطة مفصلية في اختبار حدود الدولة، وقدرتها على مقاربة واحدة من أعقد أزماتها التاريخية. لكن الخشية تبقى من أن تكون السقوف العالية قد رُفعت أكثر من اللازم، فيما الواقع لا يزال يفرض منطقه الأقوى.