في الوقت الذي كان مجلس الوزراء يبحث في قصر بعبدا بند "حصرية ​السلاح بيد الدولة​"، اطلّ الأمين العام ل​حزب الله​ الشيخ ​نعيم قاسم​ على الشاشة، واطلق سلسلة مواقف أدت في ما أدت اليه، الى تأجيل البت في الملف الى جلسة مجلس الوزراء المقبلة.

تصريحات قاسم تكشف عن عمق الأزمة التي يواجهها حزب الله في محاولته التوفيق بين خطاب دعم الدولة ورغبتها في احتكار السلاح. فبينما تحدث عن "التعاون المميز بين المقاومة والدولة"، رفض بشكل قاطع أي مقترحات لنزع السلاح، مما يطرح تساؤلات جدية حول ثقته بالدولة من جهة، وبما تبقى من قوة الحزب العسكرية من جهة ثانية. وما قوله ان "المقاومة سهّلت للدولة ما ورد في اتفاق وقف الاعمال القتالية" يوحي بأن القرار لا يزال في يد الحزب، حيث يقدم نفسه كطرف مواز للدولة وليس جزءاً منها، وهو تناقض واضح حول مفهوم الدولة، وهي نفسها التي يعلن قاسم ومختلف مسؤولي الحزب انها الأساس وانهم من الداعمين لها.

الأمر اللافت في تصريحات قاسم هو اقتصار حديثه عن القدرات العسكرية على عبارة غامضة حول "سقوط الصواريخ في الكيان الإسرائيلي" في حال الحرب، دون أي تفاصيل أو ضمانات واضحة حول قدرة الحزب على "إغراق إسرائيل بالصواريخ". وهنا يبرز سؤال منطقي: هل لا زال الحزب يتمتع بترسانة الأسلحة المخيفة التي قيل انها كانت تؤمّن قدرة الردع؟ واذا كان الجواب ايجاباً، فلماذا ارتدع عن استعمالها في خضم الحرب الوجوديّة التي تم شنها على لبنان من قبل إسرائيل، ولماذا لم يستعملها فور خرق تل ابيب للاتفاق المبرم في تشرين الثاني من العام الفائت؟ وهل لا تزال إسرائيل عاجزة فعلاً عن كشف أماكن هذه الأسلحة النوعية؟ وهل الحديث عن "استعداد مجاهدي المقاومة لأقصى التضحيات" هو للتعويض عن غياب الضمانات العسكرية الملموسة؟.

للمرة الأولى، يقدم قاسم تبريراً دستورياً مفصلاً لرفض نزع السلاح، زاعماً أن "المقاومة جزء من دستور الطائف" وأن مناقشتها تتطلب "التوافق ومقومات المجتمع كافة". هذا التفسير يظهر بشكل واضح الرغبة في ربط نزع السلاح بـ"استراتيجية أمن وطني" أوسع، بهدف تعقيد المسألة وجعلها رهينة توافقات مستحيلة في ظلّ الانقسامات السياسية الحادة. هذا الطرح يكشف عن استراتيجية لكسب الوقت، خصوصاً وانه تزامن ايضاً مع كلام قاسم عن استعداد لبحث كل شيء (بما فيه السلاح) اذا ما نفذت إسرائيل انسحابها من لبنان، وباقي البنود التي تم الاتفاق عليها.

الأمر الأكثر إثارة للقلق في خطاب قاسم هو تجاهله التام للتحولات الجذرية لدى الرأي العام اللبناني، حتى من مؤيّدي حزب الله، فحديثه عن "5 آلاف شهيد و13 ألف جريح" كمبرر لاستمرار المقاومة، يتجاهل أن هذه الأرقام باتت تُفسر من قبل شرائح واسعة من اللبنانيين كدليل على فشل استراتيجيّة الحزب، وعلى عدم الالتزام بما قيل عن قوّة ردع لإسرائيل، كانت غالبية لبنانيّة واثقة من انها كفيلة بمنع التمادي الإسرائيلي في الاعتداء على لبنان، فيما حصل العكس تماماً. هذا التجاهل للواقع المتغيّر قد يؤدّي إلى تصعيد خطير، خاصة أنّ أيّ اهتزاز أمني داخلي جدّي قد يعني انهياراً سريعاً للحزب ليس فقط عسكرياً انما سياسياً ايضاً.

تكشف تصريحات نعيم قاسم عن حزب يحاول التمسك ب​خطاب القوة​ بينما يواجه تحديات وجودية حقيقية. التناقض بين ادّعاء التعاون مع الدولة ورفض الاندماج فيها، إلى جانب الغموض التام في الخطاب التهديدي والاعتماد على المراوغة الدستوريّة، كل ذلك يؤكّد أن الحزب يمرّ بأزمة عميقة، وبأنّ هذه التصريحات قد تكون محاولة أضافيّة للحفاظ على ماء الوجه، لكنها تعكس أيضاً عجزاً متزايداً عن قراءة الواقع اللبناني الجديد وتقديم بدائل قابلة للحياة لمستقبل البلاد.