يحاول لبنان ان يتناغم مع التطور المؤسساتي الكبير الذي شهده الاتحاد الاوروبي بعد "معاهدة لشبونة" التي دخلت حيز التنفيذ عام 2010، من خلال تطوير آليات العمل الديبلوماسي مع اجهزة الاتحاد التي باتت متشعبة وواسعة الصلاحيات. وهذه من الاولويات التي تنتظر سفير لبنان الجديد لدى بلجيكا والمندوب لدى الاتحاد الاوروبي رامي مرتضى الذي شبّه شعار الاتحاد، وهو "الوحدة في التنوع"، برسالة لبنان وكينونته المطلوب من اصدقائه الحفاظ عليها، وفي مقدمهم الاتحاد. ويرى مرتضى ان للبنان رصيدا من الصداقة والتعاطف في مقر صناعة القرار الاوروبي في العاصمة البلجيكية يجب البناء عليه وتثميره. ومن المعلوم ان المواقف الاوروبية ثابتة حيال لبنان لجهة الحرص على سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه واستقراره السياسي والأمني والاقتصادي. ويشيد الاتحاد الاوروبي بسياسة "النأي بالنفس" التي انتهجتها الحكومة في الملف السوري، ويدعو الى مواصلة التزامها من كل الأطراف. كما يشيد المسؤولون الأوروبيون بحرارة كبيرة بسياسة لبنان في ملف اللاجئين السوريين وإبقاء حدوده مفتوحة وبتطبيق مبدأ عدم الترحيل القسري. ولفت احد المسؤولين الأوروبيين اثناء محادثاته في بيروت مع مسؤولين لبنانيين الى ان الاتحاد الاوروبي معجب جدا بسياسات الحكومة لاستضافتها نازحين سوريين، وقال: "ربما لم نكن في الاتحاد الاوروبي لنتمكن من انتهاج سياسة مماثلة"، مذكرا بالأزمة التي نشبت بين فرنسا وإيطاليا لدى دخول 28 الف لاجئ تونسي هربا من الحرب في ليبيا الى فرنسا عام 2011. اما في موضوع الانتخابات النيابية، فيدعو الاتحاد الاوروبي الى إجرائها في موعدها الدستوري، وفي حال تعذر ذلك يجب ان يكون اي تأجيل في اطار خطة زمنية واضحة المعالم ومتفق عليه، فضلا عن ضرورة اجراء الانتخابات وفق قانون توافقي وعصري يراعي ملاحظات بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات عامي 2005 و2009. ولمناقشة كل هذه القضايا، فضلا عن العلاقات الاقتصادية، هناك بنية مؤسساتية بين لبنان والاتحاد الاوروبي قوامها مجلس شركة، في حضور وزراء الخارجية الذي يجتمع سنويا، ولجنة شركة تجتمع كل ستة اشهر و11 لجنة تقنية، للبحث في كل جوانب العلاقات الثنائية المتشعبة.

اما على صعيد المساعدات المالية، فقد رصد الاتحاد مبلغا يقارب الـ250 مليون اورو منذ سنوات، لم يتسلمه لبنان بعد لانفاقه على مشاريع. وبرّر مصدرمطلع لدى سؤال "النهار" له عن السبب فقال: "عدم قدرة لبنان على امتصاص آليات صرف المبالغ المرصودة لها وفقا لقواعد ينبغي للبنان التزامها وأهمها تقديم مشاريع محددة تراعي الحاجات الاساسية للمجتمع اللبناني ومبدأ الشفافية، علما ان هذه الحاجات قد جرى الاتفاق عليها في شكل مشترك بين الطرفين ضمن خطة العمل التي تقر لأعوام ثلاثة، ثم يجري تجديدها". وتجدر الاشارة الى ان دولا اخرى لم تصرف مثل هذا المبلغ بنسب متفاوتة، لان التعامل مع آليات الاتحاد الاوروبي بات يتطلب ذهنية وورشة مؤسساتية تتكيف مع آليات العمل الاوروبية التي يصفها البعض بالمعقدة، في حين يعتبرها الأوروبيون في متناول اي طرف يعمل جديا على التزامها.

كما يقوم الاتحاد الاوروبي بمساعدة المصدرين اللبنانيين في الوصول الى الاسواق وفق خطة العمل المحددة للفترة الواقعة بين 2009 و2012. ويرى البعض انه بعد مرور نحو 12 عاما على توقيع اتفاق الشركة، لم يرق حجم التبادل التجاري من الجانب اللبناني في اتجاه السوق الاوروبي الى المستوى المطلوب بسبب عقبات عديدة اهمها المواصفات الاوروبية الموضوعة للسماح بدخول المنتجات اللبنانية، وهو ما يعتبره البعض عقبات غير جمركية لا تسمح للبنان بالاستفادة من تحرير التبادل التجاري.

اما الجانب الاوروبي فيرى ان المنافسة متاحة، وما على المصدر اللبناني الا تحسين مواصفات منتجاته لكي يدخل السوق الاوروبية، علما ان هناك برامج عديدة مولها الاتحاد لمساعدة الصناعيين والمزارعين اللبنانيين وفق التزام المعايير الاوروبية، وتبلغ الصادرات اللبنانية الى اوروبا حاليا نحو مليون اورو في حين تبلغ الواردات الاوروبية الى لبنان نحو 4,5مليارات اورو سنويا، مما يؤشر لحاجة الى تخفيف ميزان العجز التجاري بما يراعي مصلحة لبنان ويكمن على سبيل المثال في تخفيف القيود الاوروبية غير الجمركية على المنتجات اللبنانية، ولاسيما انها باتت تتمتع بمواصفات عالية تمكنها من المنافسة.