حملت زيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري منذ أيام إلى العراق رسائل داخلية وخارجية هامة تشير إلى أن العراق لا يزال يحظى بعناية « أميركية في ما يخص السياسة الخارجية للعراق وعلاقاته مع دول الجوار.

فقد حمل الوزير الاميركي جملة» لاءات» كان أبرزها ادعاءات اميركا بتمرير العراق الاسلحة الايرانية الى سورية عبر الاجواء العراقية، وتأجيل إنتخابات مجالس المحافظات في نينوى والأنبار، أو قمع بعض التظاهرات التي تشهدها بعض المحافظات ذات الطابع السني مع ضرورة التشجيع على العودة الى الحوار بين مختلف الاطياف السياسية لفتح كوة في جدار الأزمة المغلقة منذ حوالي العام.

إلا أن المراقبين لهذه الزيارة يعتقدون أن الأزمة السورية قد تكون العنوان الأبرز والاهم لزيارة كيري الى العراق والتي تمت ضمن جولة قام بها إلى بعض البلدان العربية إستباقاً لزيارة الرئيس الاميركي باراك أوباما إلى الأراضي الفلسطينية، حيث كان كلام كيري عن ان تحليق طائرات إيرانية تحمل أسلحة إلى سورية عبر المجال العراقي ..يمثل مشكلة! وبالتالي يساعد في بقاء الرئيس السوري في منصبه.

إذن ومن باب الشراكة الإستراتيجية الموقعة بين الولايات المتحدة والعراق، ها هو وزير الخارجية الاميركية جون كيري «يتمنى» على بغداد الاتساعد الرئيس السوري في قمع الإنتفاضة العسكرية في سورية بإعتبار أن ذلك مخالفاً لإرادة ورغبة الاميركيين الذين يسعون لتغذية ما يسمى بالمعارضة السورية المسلحة في وجه النظام وإن كانوا لايزالون مترددين لغاية الان بمسألة التسليح الثقيل والذي يعبّر عن خشية أميركية من مستقبل هذه الجماعات ومصير هذه الاسلحة فيما لو وصلت إلى جماعات» متطرفة» كما حصل في ليببا فينقلب السحر على الساحر!

مرة جديدة يدخل العراق في صلب الازمة السورية المشتعلة لاكثر من عامين والتي حذر رئيس الوزراء نوري المالكي مرارا من تداعياتها وأنها سوف تكون خطرة على الجوار وخاصة لبنان والعراق وهو ما تشهده بالفعل هاتان الدولتان اللتان تعيشان هزات إرتدادية على صعد مختلفة نتيجة ما يجري في الجارة سورية.

إلا أن هذه الزيارة والتي تأتي عشية الذكرى العاشرة لغزو العراق أيضا تبعث برسائل إلى دول مجاورة للعراق تقول فيها بأنها تمارس نفوذاً وهيمنة على العراق ومنها إيران، لتقول بأن النفوذ الاميركي في العراق منه ديسمبر 2011 وما قيل عن أن العراق تراجع عن سلم الاولويات للولايات المتحدة لتحل محله إيران ..حيث كانت هناك أكثر من شكوى بهذا الصدد نقلتها الديبلوماسية الاميركية الى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي .. إلا أن الجواب كان دائما بأننا على مسافة واحدة من دول الجوار رغم العلاقات المميزة التي تربطنا مع إيران بحكم عوامل كثيرة يفرضها التاريخ والجغرافيا والجيو بوليتيك!

إلا أن المثير للتساؤل هو هذا التعايش مع رئيس الحكومة نوري المالكي مع كل التحفظ على بعض سلوكه وتصرفاته مع شركاء الداخل وحلفاء الخارج حيث تربطه مع ما تطلق عليه الولايات المتحدة اسم «محور الشر» علاقات أكثر من ودية مع القناعة بعدم القدرة على التغيير في تركيبة الحكومة الحالية وذلك بعدما تمت محاصرتها وتعرضها للكثير من الهزات وليس آخرها مقاطعة وزراء الكرد والقائمة العراقية وتذبذب التيار الصدري تجاهها، ما يفتح المجال للقول بأن الولايات المتحدة تدرك بأن نوري المالكي هو الرجل الصالح لغاية الآن لقيادة سفينة العراق والمتأرجح تحت الضغوط الداخلية والخارجية، وإن على مضض، وبهذا تتلاقى – وان بغير قصد-مع أهواء الجمهورية الإسلامية والتي لاتزال ترى في نوري المالكي الرجل المناسب والقوي القادر على كبح الجماعات الطامحة لتغيير شكل ونظام الحكم الجديد في العراق!

كان من البديهي أيضا أن يناقش وزير الخارجية الاميركية مع الحكومة العراقية والمشاكل الكثيرة التي تواجهها حاليا والتي وصلت حد المطالبة بإسقاط الحكومة حيث ظهر ذلك جليا من التظاهرات والشعارات التي رددها المتظاهرون والتي تم التعامل بقسوة معها في بعض المرات، إضافة الى التمرّد الكردي والذي يحاول ممارسة إستقلال غير معلن عن الحكومة المركزية وإبتزازا يطال الإقتصاد والسياسة، كلها عناوين هامة وجديرة بالمناقشة في وضع إقليمي صعب يلقي بظلاله الثقيلة على العراق..

ويبقى الامل الاميركي لإدخال العراق» بيت الطاعة»،إلا أن ما نقل عن ان كيري خلال زيارته الاخيرة إلى بغداد قال ان الوزيرة كلينتون أخبرته : «بانكم سوف تفعلون ما نريد «.. ورد المالكي : «لا لن نفعل « خير دليل على تنافر الرؤى والمشاريع والحلفاء بين البلدين!