على الرغم من التحركات الكبيرة التي قامت بها الجماعات و​الحركات السلفية​ تحت عناوين مختلفة في الفترة السابقة، يلاحظ الكثير من المراقبين تراجع هذه التحركات إلى حد كبير في الأيام الأخيرة، لا سيما بعد إستقالة حكومة نجيب ميقاتي الثانية.

هذا التراجع يطرح حوله علامات الإستفهام، والبعض يربط الموضوع مباشرة بالأجواء السياسية التي تعم البلاد، فما هي حقيقة هذا الأمر، وهل يستمر هذا الواقع طويلاً؟

قرار ذاتي

بغض النظر عن كل التحليلات لقرار الجماعات والحركات السلفية تجميد أنشطتها في هذه الفترة، تؤكد مصادر متابعة أن هذا الموضوع نابع عن قرار ذاتي، وتنفي إرتباطه بالإستقالة التي أقدم عليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

وفي هذا السياق، يكشف أحد المشايخ السلفيين في طرابلس أن هذا القرار اتخذ قبل استقالة الحكومة، حيث يشير إلى إجتماع "أمني- سياسي" عقد قبل ذلك، وتم التوافق خلاله على وقف كل التحركات الميدانية، التي كانت في معظم الأحيان إعتراضية على بعض المواقف والقضايا، ويلفت إلى أن هناك شبه إجماع على أن المدينة هي التي كانت تدفع ثمن هذه التحركات.

وعلى صعيد متصل، يؤكد شيخ آخر حصول هذا الإجتماع، ويشير إلى أن القرار اتخذ بالفعل بعد ورود العديد من الشكاوى إلى الهيئات الإسلامية، أبرزها كانت من مؤسسات تعليمية ونقابات مهنية ومؤسسات تجارية، بعد الضرر الكبير الذي لحق بأبناء المدينة وبالحركة الإقتصادية فيها، مع إعترافه بأن استقالة الحكومة ساهمت كثيراً في تخفيف الإحتقان إلى حدٍّ ما.

هل يستمر هذا الواقع طويلاً؟

على واقع هذه المعطيات، تتحضر "الهيئات والفاعليات الشمالية المنتصرة للسلام"، لتنظيم مسيرة كبرى في ​مدينة طرابلس​ يوم الأحد في 21 من الشهر الحالي، في ذكرى الحرب اللبنانية، طلباً لوقف الإقتتال وحفظ السلم الأهلي، تحت عنوان "أردتموها حربا؟ لن تكون...".

ويشير منظمو هذه المسيرة إلى أن "الفتنة تطل من مدينة طرابلس بشكل محاولات متكررة لافتعال الحوادث المذهبية، واعتداءات على السيادة الوطنية"، ويلفتون إلى أنهم "أمام ظاهرة انتشار وفلتان استخدام السلاح بين المواطنين، وفي ظل الانقسامات السياسية الحادة واحتدام الصراع الطائفي والمذهبي وتردّد السلطة في تحمل المسؤولية المناطة بها، نتعرض يوماً بعد يوم الى خطر تكرار الحوادث الأمنية، وإلى تهديد مباشر لاستقرار الوطن ووحدته، ولحياة وامن مواطنيه، والأكثرية منا غير معنية بحسابات ومشاريع تقسيمية".

وفي هذا السياق، تكشف المصادر السلفية أن التوافق على تسمية النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة المقبلة، لم ينهِ مختلف المشاكل التي لا تزال عالقة، حيث ترى أن مشكلة سلاح "حزب الله" لا تزال قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الثورة السورية التي لها تداعيات كبيرة على الساحة اللبنانية.

وعلى الرغم من ذلك، تتوقع هذه المصادر أن يستمر الهدوء الذي تنعم فيه المدينة إلى وقت طويل، بحال لم يحصل أي حادث غير متوقع، والذي تعتبر أنه "يأتي في كل مرة بناء على أمر عمليات من الرئيس السوري بشار الأسد إلى حلفائه في لبنان، بهدف التخفيف من الضغوط التي يتعرض لها نظامه"، لكنها تُصر على القول أن "الوضع الحالي غير مرضي عنه، لكنه بالنسبة إلى الفترة السابقة مقبول".

وعلى الرغم من نفي هذه المصادر إمكانية إنتقال الصراع إلى الساحة الواحدة، لا سيما في ظل المعلومات عن خلافات داخلية بين هذه الحركات والعديد من القوى الأخرى، تتخوف مصادر أخرى من أن تكون النتيجة التي أفرزتها إستقالة الحكومة هدوء على المحاور التقليدية، لينتقل التوتر إلى أماكن جديدة، لا سيما في ظل تزايد الخلافات العائلية والفردية التي تتحول إلى إشتباكات مسلحة في المدينة، والتي تكررت بشكل لافت في الفترة الأخيرة.

في المحصلة، ستنعم طرابلس على الأرجح بهدوء نسبي طويل، بسبب توقف الإشتباكات الكبيرة على محاورها التقليدية، في حال إستمرت الأجواء التوافقية التي تسود الأجواء اللبنانية، ولكن هل تبقى الخلافات الفردية التي تستخدم فيها الأسلحة محدودة في اطارها الضيق، وهل فعلاً ستبقى المدينة بعيدة عن الصراع داخل الصف الواحد؟