13 نيسان 1975 يوم كانت له بصمته في تاريخ لبنان الحديث، إذ ارتبط هذا اليوم ببداية حرب استوردت إلى لبنان استمرت 15 عاما في لبنان وقتلت الآلاف، دمرت المدن، شردت العائلات، قسّمت لبنان ورسخت الطائفية بين الشعب الواحد وأعادتنا مئة سنة الى الوراء. هذا التاريخ ارتبط ايضا ببوسطة "عين الرمانة" الشهيرة، فهذا الحدث اطلق شرارة الحرب وامسى رمزا لها "ينذكر لما ينعاد". فمشهد هذه البوسطة حفر بأذهان الكبير والصغير وكأنها الشاهد الملك على الحرب، وهي رغم السنوات الطويلة التي مرت ما زالت صامدة.. في الغبيري.

شهرة البوسطة ورفض تكرار ما يماثلها

اشتهرت هذه البوسطة لانها حسب البعض كانت الشرارة التي أشعلت القلوب الممتلئة، ففي نهار الاحد 13 نيسان 1975، حصلت المواجهة المسلحة بين أبناء عين الرمانة والبوسطة التي كانت تقل فلسطينيين عائدين إلى مخيم تل الزعتر بعد مشاركتهم بإحتفال في مخيم صبرا، في شارع "الخلاص". "النشرة" زارت هذا الشارع الشاهد على تلك الحادثة وتحدثت مع عدد من الاهالي، فاعتبر المواطن الياس حرب أنّ ما سمي ب​بوسطة عين الرمانة​ ليست هي السبب الرئيسي لاندلاع الحرب بل هي مجرد حادثة حفظت بالاذهان: "لا نريد أيّ حرب جديدة ولا نريد أن نتذكرها حتى فالذكرى أليمة جدا، وقد خسر اللبنانيون الكثير من الاحباء خلالها ونتمنى أن لا تتكرر تلك الايام". لكل مواطن رأيه بالأسباب وبالجهة التي تتحمل المسؤولية، إلا أنّ الأغلبية في شارع "الخلاص" يجمعون على سوادها وبشاعتها وضرورة عدم تكرارها رغم رؤية البعض عكس ذلك، وهذا ما عبّر عنه نزار سمّور في حديث لـ"النشرة": "معظم الشعب اللبناني غبي او خبيث والامران يؤذيان وقد يؤديان لتكرار الحرب"، مشيرا إلى أنّ ​الحرب اللبنانية​ لم تكن بسبب الطائفية بل أعطوها الطابع الطائفي والزعماء الذين قاموا بها لاهداف خارجية لا زالوا هم انفسهم من يتحكم بمصيرنا اليوم. وقال: "الحرب كذبة كبيرة فكيف يمكن أن تكون الحرب طائفية ونحن كنا وما زلنا نعيش مسلمين ومسيحيين في مناطق مختلطة".

البوسطة في الغبيري

المفارقة كانت أنّ جميع من التقتهم "النشرة" لا يعلمون أين هي بوسطة عين الرمانة، فبعضهم يشاهدها أحيانا في معارض أو في احتفالات لذكرى الحرب، وبعضهم يعتقد أنّ البوسطة "الاصلية" لم يعد لها وجود، ولكن كل ذلك ليس صحيحا، فمنذ ما يقارب 18 سنة اشترى سامي حمدان الرجل الستيني بوسطة عين الرمانة من صاحبها الاساسي ابو رضا من منطقة المصيطبة لانها حسب ما قال خلال لقاء "النشرة" به أنها تعني له الكثير: "في تلك الفترة كنت أملك بوسطة شبيهة بها وقد قصفت خلال الحرب قرب الكلية العاملية وقتل من كان بداخلها معي، لذلك أردت الحصول على بوسطة عين الرمانة للذكرى ولانها تعني لي الكثير وهذا ما حصل إذ اشتريتها وخبأتها".

بعد انتهاء الحرب اللبنانية بفترة قصيرة وجد حمدان أنّ البوسطة أصبحت مشهورة وارتبط اسمها بشكل مباشر بالحرب التي دارت بين اللبنانيين طوال 15 عاما، وهذا ما دفعه للتفكير باستثمارها وعرضها وتقديمها للناس: "قمنا بعرض البوسطة في الكثير من المهرجانات وفي كل المناطق اللبنانية مقابل بدل مالي، وآخرها كان منذ 3 سنوات في ميدان سباق الخيل"، واضاف: "الا انه منذ سنتين ونصف تواصلت معي جمعية "امم" لاستئجار البوسطة وربما شراءها، وهذه الجمعية تعنى بالشأن الثقافي وهي ممولة من عدة جمعيات اجنبية وكان المطلوب منها اعداد ملف وثائقي عن الحرب اللبنانية، فقمت بتأجير البوسطة لهم على اساس ان يتم اعطائي مبلغا معينا من المال الا ان ذلك لم يحصل ابدا واكثر من ذلك ادعت الجمعية امتلاك البوسطة".

قريبا تعود الى العرض

منذ أيام قليلة، استعاد حمدان البوسطة من جمعية "امم" التي أخلّت باتفاقها معه حسب ما قال: "لم يدفعوا لي المال ومنعوني من استرجاع البوسطة ولكنني اخذتها بالقوة"، لافتا الى ان حالتها اليوم ليست كما كانت عليه منذ 3 سنوات، واعدا بترميمها واعادتها الى مسرح المهرجانات بعد غيابها القسري الذي سيستمر هذا العام ايضا.

حمدان الذي وصف البوسطة بالدليل على الحرب، اعتبر ان عرضها على الاعلام كل عام في 13 نيسان يترجم وصفه لها، الا انه ورغم تعلقه بها قال "يا ليتها لم تكن" لان الحرب بنظر من عايشها ابشع من ان توصف. ودعا حمدان في هذه المناسبة اللبنانيين لعدم الانجرار وراء الفتن التي تحاك، والابتعاد عن السياسيين الذين يعملون ضد مصلحة لبنان ومصلحة اهله: "اتمنى ان يصبح لدى الشعب اللبناني الوعي الكافي للابتعاد عن هؤلاء السياسيين الذين ادخلونا في حرب وسيدخلونا في اخرى".

هي شاهدة على زمن قبيح نتذكره كي لا يتكرر. 13 نيسان 1975 تاريخ قد ننساه قريبا لكثرة التواريخ التي توثق معارك الآخرين بواسطة اللبنانيين ضد بعضهم، وبوسطة عين الرمانة الصامدة حتى يومنا هذا لتكون ذكرى وعبرة قد لا تبقى وحيدة، فسرب البوسطات المشابهة نراه يلوح بالافق، والامل يبقى ان نسد عليه الطريق لان وصوله الينا سيجعل لبنان هو الذكرى.

تصوير حسين بيضون (الألبوم الكاملهنا)