لا تزال قضية إعلان جبهة "النصرة" السورية مبايعتها تنظيم "القاعدة" العالمي بقيادة ​أيمن الظواهري​ تتفاعل على الصعيدين السوري والدولي، لا سيما في ظل تأكيد بعض قيادات المعارضة السورية أن هذا الإعلان وضعها في موقف صعب جداً، حيث بات عليها تقديم الكثير من المبررات إلى المجتمع الدولي الذي يتخوف كثيراً من دور الجبهة على أرض الواقع.

داخل المعارضة هناك رؤيتان لطريقة التعامل مع هذا الواقع الجديد، لكن هناك شبه إجماع على عدم وجود مصلحة في وقوع نزاع داخلي في صفوفها في الوقت الحالي، فما هو الواقع اليوم، وكيف ستتعامل قيادة المعارضة السياسية والعسكرية مع تداعيات ما أقدمت عليه "النصرة"؟

موقف صعب

لا تبدو قوى المعارضة السورية في موقف تحسد عليه اليوم، حيث أن الفصيل الأكثر فاعلية على أرض الواقع من الناحية العسكرية أعلن بشكل مباشر مبايعته لتنظيم "القاعدة" العالمي، في حين تدعو هذه المعارضة المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدات والدعم لها، ما يعني أنها من الناحية المبدئية لن تحصل على أي دعم جديد قبل معالجة هذه الأزمة الجديدة.

يعترف عضو "المجلس الوطني السوري" ​لؤي صافي​ أن ما قامت به الجبهة كان أمراً مفاجئاً في توقيته ومضمونه، ويؤكد أن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح حول الهدف منه، ويلفت إلى وجود حالة إعتراض واسعة في صفوف مختلف قوى المعارضة التي لا تجد أي مصلحة في هذا الأمر على الإطلاق.

وعلى الرغم من تأكيده بأن كل قوى المعارضة ليس لديها رؤية موحدة، يشدد صافي على أنها تجمع على أن سوريا لا يمكن أن تكون إلا دولة ديمقراطية تقوم على التنوع، ويعتبر أن هذا الأمر لا يتوافق مع الأجندة التي يتبناها تنظيم "القاعدة".

ويشدد صافي على أن الوضع الذي أصبحت فيه قوى المعارضة بعد هذا الإعلان صعب، ويلفت إلى أن الكثير من الذين إنضموا إلى الجبهة لم يكونوا على علم بهذه الأفكار، بل كانوا يعتقدون أنها إحدى الفصائل التي تواجه النظام.

على صعيد المعارضة العسكرية، يؤكد نائب قائد "​الجيش السوري​ الحر" العقيد ​مالك الكردي​ أن الجبهة كانت الفصيل الوحيد الذي كان يمتلك الإمكانات المادية من أجل مواجهة قوات النظام، حيث أن القوى المعتدلة لم تكن تحصل على أي دعم، ويلفت إلى أن "الكثير من الثوار إضطروا إلى الإنضمام للجبهة مع أنهم لا يتبنون أفكارها".

ويستغرب العقيد الكردي، في حديث لـ"النشرة"، المواقف الغربية التي تصدر في هذه المرحلة، حيث يشير إلى أن قيادة "الجيش الحر" حذرت منذ البداية من دعم الفصائل المتشددة على حساب الفصائل المعتدلة، ويشدد على أن طبيعة الشعب السوري ليست متطرفة، وهذا الأمر مثبت عبر التاريخ من خلال التعايش بين مختلف المكونات.

ما بين "الإحتواء" و"المواجهة"

على الرغم من أن الكثير من قوى المعارضة كانت تعلم بشكل جيد ما يحصل من ممارسات تقوم بها الجبهة على أرض الواقع، كان هناك تأكيد على أن هذا الموضوع محصور، ولا يشكل أي ضرر عليها، لكنها اليوم باتت مطالبة بشكل قوي من الدول التي تدعمها بتوضيح إرتباط "النصرة" بـ"القاعدة".

ويؤكد العقيد الكردي أن التواصل في الفترة السابقة مع قيادة الجبهة كان مقتصراً على القادة الميدانيين في مناطق العمليات العسكرية، ويشير إلى أن هذا التواصل ضروري خلال المعارك كون "العدو" واحد، ويعترف بحصول مواجهات بين الجانبين في بعض المناطق بسبب التباين في النهج.

وفي هذا السياق، تكشف مصادر متابعة عن ان هناك "حيرة" في صفوف مقاتلي المعارضة، بين من يعتبر أن قائد الجبهة ليس إلا شخصية وهمية لا تمون على الكثيرين، وبين من يؤكد أن هناك خطراً كبيراً، وتفضل أن تصف العلاقة معها بـ"حالة عدم التصالح".

وعلى الرغم من هذا الواقع، يؤكد العقيد الكردي أن ليس هناك من حل إلا عبر "إحتواء" الجبهة، حيث يشدد على أن ليس هناك من مصلحة في حصول نزاع داخلي بين صفوف قوى المعارضة، في حين لا تزال المواجهات مستمرة مع النظام وحلفائه، مع العلم أنه يشير إلى أن هناك دولاً تدفع إلى هذه المواجهة.

وينتقد العقيد الكردي مواقف الدول الغربية الحالية من الجبهة، حيث يشير إلى أنها دعمتها إلى حد كبير في وقت سابق، ورفضت في الوقت عينه تقديم الدعم إلى القوى المعتدلة.

من جانبه، يعتبر صافي أن المطلوب من الجبهة أن تسحب إعلان مبايعتها سريعاً، حيث يؤكد أن "الثورة لا تحتمل هذا الموضوع"، ويشير إلى أن قوى المعارضة لا تزال تنتظر موقف "النصرة" من هذا الطلب، وفي حال لم تستجب سيكون هناك إجتماعات من أجل إتخاذ الموقف المناسب.

وعلى الرغم من ذلك، يتوافق صافي مع العقيد الكردي على أن ليس هناك من مصلحة في حصول نزاع داخلي، لكنه يشدد على أن هذا الموضوع يجب أن يحل، ويلفت إلى أن قوى المعارضة لا تعرف حتى الآن من هو أبو محمد جولاني قائد الجبهة، كون هذا الإسم مستعار، وهو لا يظهر مكشوف الوجه في أي مرة.

في المحصلة، تجد قوى المعارضة نفسها اليوم في موقف محرج وضعتها فيه جبهة "النصرة"، حيث لا تستطيع من جهة السكوت على مبايعتها تنظيم "القاعدة"، ولا تستطيع الدخول في مواجهة معها من جهة ثانية، وهي بالتالي في صراع بين "إحتواء" مقاتليها اليوم دون أفكارها، أو المواجهة معها في المستقبل.