على مدى الأشهر السابقة، طرحت الكثير من الأفكار من أجل الوصول إلى قانون إنتخابي جديد، تجري على أساسه الإنتخابات النيابية المقبلة، من "الأرثوذكسي" إلى "المختلط" إلى "الدوائر الصغرى" وصولاً إلى "one man one vote"، وغيرها من الأفكار التي تم الحديث عنها من قبل بعض الأفرقاء.

لا يعرف الكثير من المواطنين الفرق بين هذه المشاريع الإنتخابية، لا بل ربما أنهم لا يهتمون، طالما أن النتائج ستكون مرسومة مسبقاً بحسب ما يتم الترويج له منذ مدة، فما الهدف لكل فريق من القانون الذي يريده، وهل من داعٍ لاجراء الإنتخابات نفسها؟

عن صحة التمثيل والفوز الأكيد

يُصر كل الأفرقاء على اعتبار أن المشروع المقدم من جهتهم هو الذي يؤمن صحة التمثيل، ولدى كل منهم معيار خاص به يعتمده من أجل التأكيد على موقفه، في حين أن التوافق على أن المطلوب هو فعلاً الوصول إلى قانون يؤمن صحة التمثيل من المفترض أن يسهل الأمور كثيراً.

من هذا المنطلق، يؤكد رئيس مركز الاحصاء والتوثيق ​كمال فغالي​ أن كل فريق سعى منذ البداية إلى البحث عن قانون الإنتخاب الذي يؤمن له الفوز في الإنتخابات، وبالتالي لم يكن البحث عن قانون عصري يؤمن صحة التمثيل، وهنا يأتي الحديث المتكرر من قبل الجميع عن أن الإنتخابات المقبلة ستكون مصيرية، وبالتالي فإن الخسارة غير مقبولة.

ويوضح فغالي، في حديث لـ"النشرة"، أن لجنة التواصل النيابية إتفقت على الوصول إلى قانون يؤمن "الغموض البناء"، أي لا يؤدي إلى فوز أي من فريقي الثامن أو الرابع عشر من آذار، حيث إعتبر كل فريق أن المطلوب هو منع فوز الفريق الآخر طالما أن الوصول إلى قانون يحقق له الفوز غير ممكن.

وعلى صعيد متصل، يشدد رئيس مركز بيروت للابحاث والمعلومات ​عبدو سعد​ على أن كل الطروحات التي قُدمت لا تؤمن عدالة التمثيل، ويعتبر أنه لم يكن هناك من محاولات جدية من أجل الوصول إلى قانون يؤمن ذلك.

ويرى سعد، في حديث لـ"النشرة"، أن الهدف الأساس من كل الطروحات التي قُدمت هو تفصيل قانون على أساس كل فريق، ويؤكد أن النسبية مع الدائرة الواحدة هي القانون الذي يؤمن صحة التمثيل، ويشدد على أن لا عدالة مع النظام الأكثري، ويضيف: "قوى الثامن من آذار هي التي تقدمت بالمشروع النسبي، ولكن هل هي تقدمت به لأنه يناسبها أم لأنه يؤمن صحة التمثيل؟"

"الأرثوذكسي" أفضل من "المختلط"

في الوقت الذي عادت فيه لجنة التواصل النيابية إلى العمل من أجل البحث في المشروع المختلط الذي تم التوافق عليه بين كل من "حزب القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، تطرح أسئلة حول إمكانية التفاهم حول هذا المشروع، لا سيما في ظل معارضته من قبل أفرقاء أساسيين.

وفي هذا السياق، يشير فغالي إلى أن قوانين الإنتخاب توضع في جميع دول العالم على أساس ميزان القوى النيابي، ويلفت إلى أنها تضع قيودا على البرلمانات إنطلاقاً من ذلك، حيث يشير إلى أن بعضها يمنع تطبيق القانون الذي يُقر من قبل البرلمان في الانتخابات المقبلة، ويؤكد أن المشروع أهم بكثير من الناخب على هذا الصعيد، حيث يشير إلى أنه بحال تم إعتماد نتائج الإنتخابات في العام 2009 كمعيار، فإن كل قانون من الممكن أن يوصل إلى نتيجة مختلفة.

وفي ما يتعلق بالمشروع المختلط الأخير، يرى أن جميع المشاريع التي طرحت سعت إلى تحسين التمثيل المسيحي، لكنه يوضح أن هذا المشروع لا يؤدي إلى وصول أكثر من 50 نائباً بأصوات الناخبين المسيحيين.

ومن جانبه، يجدد سعد التأكيد على أن القانون النسبي يناسب جميع الأفرقاء، ويرفض أي قانون لا يؤمن عدالة التمثيل لجميع الأقليات الدينية والسياسية، ويشير إلى أن إجراء الإنتخابات ليس هدفاً بحد ذاته، حيث يوضح أن المطلوب هو حصول تداول في السلطة، ويرى أن السلطة ستبقى، من خلال القوانين الحالية، محصورة بزعماء الطوائف، كما هو الواقع منذ العام 1943 حتى اليوم.

أما بالنسبة إلى المشروع المختلط الأخير، يؤكد سعد أنه لا يعطي المسيحيين حق إختيار أكثر من 36 نائباً بقوتهم الذاتية، ويشدد على أن هذه حقيقة لا وجهة نظر، حيث يلفت إلى أن الإنقسام السياسي الحاصل على الساحة المسيحية سوف يعطي الأصوات الإسلامية القدرة الترجيحية في دوائر عدّة.

في المحصلة، ليس هناك من سعي جدي إلى الوصول إلى قانون إنتخابي يؤمن صحة التمثيل، لأنه عند ذلك سيكون المعيار واحدا، والمطلوب في الوقت الراهن هو الوصول إلى قانون على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، فهل من الممكن الوصول إلى ذلك؟