حفلت عطلة نهاية الأسبوع بأكثر من حدث مفصلي أرخى بظلاله الثقيلة على الساحة الداخلية، ففي وقت كان فيه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع يعقد خلوة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، العائد حديثاً من جولة راعوية استمرت حوالي الشهر، في محاولة منه لامتصاص نقمة الشارع المسيحي الذي شكا من خطواته التي أدت إلى اجهاض مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي، وأعادت التوتر إلى الساحة المسيحية، كان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله يحدد معالم المرحلة، ويطلق معركة ما بعد القصير، وهي معركة تحمل أبعاداً استراتيجية بعيدة كل البعد عن الاستحقاقات الداخلية، وتتمحور حول اعلان الحرب على ما وصفه السيد نصر الله بالفكر التكفيري.

وفي غمرة الحدث السياسي، عاد الوضع الأمني ليتصدر الاهتمامات الرسمية والشعبية من بوابة الضاحية الجنوبية، التي تلقت الرد المباشر على الرسالة التي كان السيد نصر الله قد وجهها قبل ساعات معدودة إلى الخارج قبل الداخل، بيد أن الحزب نفسه اعتبر أن اطلاق الصاروخين وانفجارهما في الضاحية رسالة رد وصلت بوضوح، وبالتالي فإن شيئاً لن يغير من قناعات الحزب ولا من سياساته الخارجية والداخلية، لا سيما في هذه المرحلة البالغة الحساسية، والتي يتم خلالها عزل الحزب اقليمياً تمهيداً لتوجيه ضربة قاضية ليس فقط له، بل للمحور الاقليمي الذي يعمل من خلاله.

وبالعودة الى رسالة السيد نصر الله، اعتبرت مصادر قريبة من الحزب أنه اراد افهام من يعنيهم الأمر أنه بات واحداً من الأرقام الاقليمية الصعبة، وأن دوره في المرحلة المقبلة لن يقتصر على الداخل اللبناني، ولا على الحدود مع اسرائيل، إنما على طول المنطقة العربية باعتباره تحول إلى خط دفاع ثان بعد أن انهيار مقاومة حركة "حماس" وخروجها عن منظومة الردع الاقليمية، وانضمامها إلى قائمة التنظيمات التي تدور في فلك حركة "الاخوان المسلمين" وامتداداته المصرية والسعودية والقطرية بحسب التعبير، وما تأكيد السيد على مشاركة حزبه في حرب القصير الا مقدمة لرسم الأدوار الاقليمية الجديدة التي ستبرز بعد مؤتمر جنيف 2 والتي لن يكون لبنان ولا الحزب بمعزل عن تداعياتها.

ويبدو بحسب المصدر أن فريق 14 آذار استوعب الرسالة جيداً وفهم مضمونها، ولهذا سارع إلى الرد العنيف على لسان رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، الذي اعتبر بدوره أن نصر الله اعلن عن وفاة المقاومة في عيدها، مستعيداً المشهد عينه الذي ساد الساحة اللبنانية في أعقاب حرب تموز الماضية، وما هذا الكلام الا تأكيداً على أن مشاركة "حزب الله" في معارك القصير ساعدت على تغيير المعادلة العسكرية، ليس فقط من وجهتها الميدانية بل بوجهها السياسيي أيضاً، وذلك انطلاقاً من معادلة جديدة وهي ابعاد الكأس المرة عن الحزب في لبنان طالما أنه قادر على شربها في سوريا.

بدوره اتهم قيادي في تيار "المستقبل" السيد نصر الله باستقدام الحرب السورية إلى لبنان، فصحيح أن التيار يدعم المعارضة السورية منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة، ولكنه لم يدخل الحرب الميدانية بشكل مباشر ، فيما فعل "حزب الله" العكس، فدخوله الميدان السوري بهذا الشكل الاستفزازي، بحسب تعبيره، من شأنه أن يدفع بالتنظيمات السلفية والأحزاب اللبنانية الدائرة في فلكها إلى "الجهاد" انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن الساحة تحولت بعد خطاب أمين عام "حزب الله" إلى أرض خصبة للفتنة السنية الشيعية التي تزداد حدة استعارها يوماً بعد يوم.