قرر المجلس النيابي المنتخب في سنة 1972 على أساس قانون 1960 تمديد ولايته التي امتدت من سنة 1976 لغاية أول مجلس نيابي منتخب في سنة 1992 بعد انتهاء احداث 1975.

وكانت الاحداث الامنية آنذاك، التي عمت البلاد من اقصاها الى اقصاها زهاء خمس عشرة سنة، لا تسمح للسلطات اللبنانية باجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها الدستورية. ولكن رغم ذلك استمرّ مجلس 1972 في القيام بمهامه الدستورية لاسيما منها انتخاب رؤساء الجمهورية وهم السادة: الياس سركيس وبشير الجميل وامين الجميل ورينه معوض والياس الهراوي.

نفهم هنا، ويفهم معنا اصحاب البصائر النيرة، مبررات تمديد المجلس النيابي لنفسه، في تلك الحقبة الأليمة، خلافا لقواعد الديمقراطية ونظام الحكم في لبنان.

اما اليوم، لا اسمح لنفسي، ولا اي لبناني عاقل يسمح لنفسه بان يقارن بين الحاضر والامس، لأنّ الاحداث ما بين 1975 و1991 التي عشتها شخصيا لا يمكن مقارنتها على الاطلاق مع الوضع الراهن حاليا من حيث الاستتباب الامني الذي يوفره لنا الجيش اللبناني وسائر القوى الامنية التي يشرف عليها رئيس البلاد المدعومة بارادات اللبنانين الشرفاء والرغبة الصادقة لديهم في الحفاظ على ارواحهم وممتلكاتهم وبابعاد شبح الحرب عن بلادهم ومؤسسات دولتهم، فضلا عن الدور البارز الذي تقوم به السلطات القضائية.

اضف الى ذلك، ان رأس السلطة التنفيذية واقصد هنا رئيس الجمهورية صاحب اليمين المعظمة ومعه رئيس مجلس الوزراء كما رئيس السلطة التشريعية هم المسؤولون دستوريا وقانونيا اكثر من غيرهم امام الشعب اللبناني صاحب السيادة. اما الجهات التي تنادي وفق مصالحها بالتمديد للمجلس النيابي فلو كانت في موقـع المسؤولية الرسمية المباشرة لاقلعت عن هكذا نداء خارق للدستور اي لنظام الحكم الديمقراطي الذي يعتبر الاكثر اهمية وسموا في الدولة على وجه مطلق.

واذا كان الدستور يفرض فرضا (عملا بالمادة 42 منه) اجراء الانتخابات النيابية في موعدها القانوني فيعني ذلك ان الوكالة التمثيلية لشرعية المجلس النيابي قد انتهت، ولا وجود لاي نص دستوري يجيز التمديد الا لاسباب واقعية ضيقة للغاية سنأتي على ذكرها ادناه.

نشير من ناحية اولى الى ان الاسباب التي ادت الى طرح فكرة التمديد للمجلس النيابي مردها الى الصراع الدائر بين النواب انفسهم حول ايجاد قانون جديد للانتخاب غير قانون 1960 المرعي الاجراء، ولكنهم، للأسف الشديد، لم يتوصلوا من جراء مناكفاتهم الى اي اتفاق بهذا الشأن، وعندما داهمتهم المهل الانتخابية لجؤوا الى استصدار قانون بتعليقها على امل التوصل الى حل ما، ولكن دون جدوى، حتى وصل بهم الامر الى التذرع، وهنا الاسف الاشد، بالعبارة الشهيرة في عهد الرومان: "سلامة الشعب إنما هي الشرعة الاسمى" ( Salus populi suprema lex ) في حين ان الواقع كما اوضحناه اعلاه هـو براء من هكذا ذريعة بائسة وساذجة لتبرير اسباب التمديد للمجلس النيابي في الظروف الراهنة وباعتبار من ناحية ثانية أنّ التمديد للمجلس النيابي يمكن أن يتم من الوجهة الواقعية فقط غير الملحوظة في الدستور استنادا الى حالة الضرورة القصوى (Etat de necessite) او بسبب الظروف الاستثنائية Circonstances exceptionnelles) ).

وان حالة الضرورة القصوى يفترض معها حدوث اضطرابات شاملة وطائلة يستحيل معها تطبيق مبدأ الشرعية كالحرب والثورة والزلازل والفياضانات، وان هذه الحالات غير متوفرة اطلاقا في بلدنا.

اما الظروف الاستثنائية التي اعتمدها الاجتهاد الدستوري بصورة نادرة جدا، فهي عندما تحدث امور لا يمكن تفاديها وخارجة عن ارادة المجلس النيابي وتشكل خطرا على حياة الدولة، وبمعنى ادق ان لا يكون لارادة النواب يد في حدوثها كما هو الحال في مجلسنا الحالي الذي يتذرع بغلطه وعجزه وتراخيه من اجل التمديد لنفسه! وبالتالي، فان اختلاف النواب على ايجاد قانون جديد للانتخاب وتعليق المهل بغية ايجاده لا تنهض معها ظروف استثنائية غير عادية تبرر التمديد.

هذا مع العلم، بان وزير الداخلية قد جزم اكثر من مرة في الآونة الاخيرة بان وزارة الداخلية قادرة وجاهزة على اجراء الانتخابات في موعدها المحدد اي في 16/6/2013 وقد تلقت اكثر من 700 طلب ترشيح.

وباعتقادي ان الطرف المسيحي في لبنان المهدورة فعلا حقوقه في التمثيل الحقيقي وفاقا للدستور لا يقبل ولا يمكن ان يقبل باستدراك حقوقه تلك من خلال مجلس نيابي قائم على تمديد غير شرعي، فما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي، فان الانتخابات بموعدها هو امر لا بد منه من اجل الاتيان بمجلس نيابي شرعي لاقرار قانون جديد للانتخاب يرعى حقوق المسيحيين بصورة دستورية وشرعية.