لم يكن رئيس الوزراء التركي ​رجب طيب أردوغان​ يتوقع أن تصل رياح "الربيع العربي" إلى بلاده، كان يرى أن ما حققه حزب "العدالة والتنمية" برئاسته على مدى السنوات السابقة كفيل بمنع حصوله، لا سيما أن الرجل كان قد بدأ منذ مدة السعي إلى حل القضية الأبرز على الساحة التركية، الا وهي الخلاف مع الأكراد.

في لحظة واحدة فقط، تحول الخلاف على إقتلاع بعض الأشجار من ساحة "تقسيم" التاريخية في إسطمبول، إلى حالة إعتراض واسعة تجتاح مختلف المدن التركية، فهل بدأت "الثورة" على أردوغان أم أنها حالة إعتراضية ستنتهي بعد أيام قليلة؟

الصراع القديم الجديد

إندلاع هذه الإحتجاجات من ساحة "تقسيم" له أهمية خاصة، على إعتبار أن لها رمزية خاصة مرتبطة بتركيا العلمانية المتحررة وروح إسطمبول العريقة بتقاليدها وثقافتها الخاصة، حيث ينتصب تمثال مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، في ظل الصراع بين حزب "الشعب" الجمهوري وحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، ما يعني أن هذا الصراع يأخذ أبعاداً مرتبطة بهوية البلاد.

لا يعتبر الباحث والكاتب السياسي التركي ​محمد زاهد غول​ أن هناك "ثورة" في تركيا، ويؤكد أنها لا يمكن أن تكون كذلك على الإطلاق، لأن "الثورات" تقوم على نظام دكتاتوري، ومن أجل مطالب لها علاقة بكرامة الإنسان، في حين أن هذا كله مؤمن في البلاد.

ويوضح غول، الذي يؤكد عبر "النشرة" أن التظاهرات والإعتصامات هي حق قانوني، أن المطالب التي تحملها سياسية لها مكان خاص، ومن الممكن الوصول اليها عبر المؤسسات الدستورية في الدولة، ويعتبر أن المهم أن لا تتحول هذه التحركات إلى أعمال شغب.

وفي هذا السياق، يوافق الكتاب والمحلل السياسي ​دانيال عبد الفتاح​ القول أن تركيا لا تعيش "ربيعها" اليوم، لأنها قامت بذلك قبل سنوات عندما أنهت حكم العسكر والعلمانيين، ولذلك كانت هي "ملهمة" الشعوب العربية التي عرفت "الثورات"، لكنه يعتبر أنها تعيش اليوم ما يمكن تسميته بـ"الردة"، من جانب "الأتاتوركيين" و"العلمانيين" والجمهوريين، بهدف إسترداد ما أخذه منهم أردوغان.

ويشدد عبد الفتاح، في حديث لـ"النشرة"، على أن هذا الصراع في تركيا ليس بجديد، بل هو يعود إلى سنوات طويلة إلى الوراء، وكان موجوداً بأشكال مختلفة، لكنه تحول مع وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة، من محاولة إثبات أنها دولة علمانية إلى محاولة إثبات أن شعبها مسلم.

مشروع أردوغان الرئاسي سقط

من وجهة نظر غول، أردوغان هو أكثر المستفيدين من التحركات الحالية، لا سيما بعد أن تورط بعض المتظاهرين بأعمال شغب، الأمر الذي أدى إلى خلق ردة فعل عند الشعب، وأظهرت أن رئيس الوزراء على حق في ما يقوله.

ويعترف غول أن هناك إصطفافاً كبيراً في الشارع اليوم بين "العدالة والتنمية" ومعارضيه، لكنه يشير إلى أن البلاد شهدت تحركات أكبر من التي تعيشها اليوم في السابق، ويدعو المعارضين إلى التعبير عن مواقفهم من خلال المؤسسات الدستورية، خصوصاً أن البلاد مقبلة على أربع إستحقاقات إنتخابية في المرحلة المقبلة.

ويتوقع غول أن تتجه الأمور نحو التهدئة ضمن إطار معين من التفاهم السياسي، ويلفت الى أن تركيا بلد ديمقراطي وأردوغان ليس ملكاً ولا أميراً، والشعب بإمكانه أن يسقطه في الإنتخابات في حال أراد ذلك.

في الجهة المقابلة، يعتبر عبد الفتاح أن التحركات الحالية لا تهدف إلى إسقاط أردوغان أو تغيير النظام، على إعتبار أن الواقع في تركيا لا يشبه الواقع في أي من الدول العربية، لكنه يرى أنها نجحت في تحقيق هدفها الأساسي، أي عرقلة مشروع أردوغان الذي كان يسعى إلى تغيير نظام الحكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، ويوضح أن الهدف من ذلك هو إستمراره في السلطة، على إعتبار أنه لا يمكنه الترشح إلى الإنتخابات النيابية، وبالتالي لا يحق له رئاسة حكومة رابعة في البلاد في حال فوز حزبه مجددا، بسبب نظام حزبه الداخلي.

ولا يرى عبد الفتاح أن قوى المعارضة سوف تخرج من الشارع في الأيام المقبلة، على الرغم من نجاحها في تحقيق هدفها الأساسي، لأنها ستسعى إلى الحفاظ على المكتسبات التي حققتها، وإلى إستثمارها في الإنتخابات، ويوضح أن حزب "الشعب" إستطاع أن يرفع نسبة مؤيديه خلال هذه الأحداث بشكل كبير جداً.

وفي هذا السياق، لا يستبعد عبد الفتاح أن يعمد الرئيس التركي عبدالله غول إلى الدعوة إلى إنتخابات مبكرة، لا سيما بعد أن ظهر أن هناك خلافاً مع أردوغان على أسلوبه في التعاطي مع الأزمة، حيث يشير إلى أن الأخير تحدى معارضيه إسقاطه في الإنتخابات، في حين أن غول سارع الى الرد بطريقة غير مباشرة عبر القول أن الديمقراطية ليست فقط صناديق إقتراع.