إنها مهنة المتاعب التي تُعرّض من يعمل بها لشتى انواع المخاطر، ومنها ما قد يصل الى حد الموت، إنها الصحافة، السلطة الرابعة في العالم، التي تخطت في قوتها وأحياناً في خطورتها العديد من السلطات الأخرى.

ولأن الصحافي قد يجد نفسه خلال عمله في ظروف صعبة، ومنها الحروب والنزاعات المسلحة، كان للجنة الدولية للصليب الأحمر مبادرة باتجاه تدريب الصحافيين على كيفية التغطية خلال النزاعات المسلحة مع شرط المحافظة على حياتهم، حيث نظمت اللجنة حلقة نقاش اقليمية للصحافيين العرب في القاهرة يومي 4 و5 الجاري تحت عنوان "النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى: البيئة المحيطة سريعة التغير وتداعياتها على تغطية الأحداث"، وذلك بمشاركة عدد كبير من الصحافيين العرب من مختلف الوسائل الاعلامية ومنها صحيفة "النشرة" الإلكترونية.

الصليب الأحمر ليس طرفا في أي نزاع نشأ

اليوم الأول للورشة التدريبية انطلق بكلمة افتتاحية من رئيس بعثة القاهرة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالإنابة تيري ريبو الذي شدد على ان الصليب الأحمر ليس طرفاً في اي نزاع ينشأ، ولكنه جزء من النزاعات الحاصلة وخاصة في الشرق الاوسط، التي تُعتبر، بحسب ريبو، "منطقة حرجة جداً، ولدينا عمل كبير نقوم به فيها".

بعدها افتُتحت الجلسة الاولى من النقاش بعنوان "ما هي اهمية القانون الدولي الانساني بالنسبة للإعلام"، حيث اوضحت المتحدثة الرسمية ومسؤولة العلاقات مع وسائل الإعلام والعلاقات العامة لمنطقة الشرق الأوسط والأدنى في الصليب الأحمر الدولي ديبه فخر "اننا بدأنا اليوم نرى اساليب حروب مختلفة ومتنوعة وكذلك التقنيات المستعملة فيها"، لافتة الى ان "التقارير الاعلامية باتت اليوم تصل بشكل أسرع بكثير من السابق بسبب الوسائل المتوفرة".

واوضحت فخر ان ليس هناك اي استهداف او تعرض للمدنيين يمكن تعريفه قانونيا بالمجزرة، كما فسّرت ان صفة أسير حرب لا تنطبق على كل معتقل، فأسير الحرب هو من ينتسب الى القوات المسلحة بالبلاد ويُأسر خلال حرب مع دولة خارجية.

كما شددت فخر على ان ليس كل مخالفة ترقى الى مستوى جريمة الحرب، مشيرة في هذا الاطار الى ان على الصحافي ان يعرف ما الحماية التي يقدمها له القانون الدولي الانساني خلال النزاعات.

الجرائم ضد الانسانية لا تحتاج لنزاع مسلح

ثم قدّم المنسق الإقليمي للخدمات الاستشارية للجنة الدولية للصليب الأحمر المستشار شريف عتلم تعريفاً عن القانون الدولي الانساني، فشرح ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر تُعتبر احد اشخاص القانون الدولي وذو طبيعة خاصة لا تختلط مع الدول أو الافراد، وهي تعمل وفق تفويض دولي ممنوح لها.

وشدد على ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل وفق مبدأ السرية والحياد فهدفها حماية ومساعدة ضحايا النزاعات.

واكد عتلم ان قرار اللجنة الدولية مستقل وكل التمويلات المشروطة للجنة لا تُقبل، وهي تتلقى التمويل من الدول الاطراف في اتفاقية جنيف ومن جمعيات أخرى، كما تصدر اعلانات لتمويل عمليات معينة كما يحصل في سوريا اليوم.

واوضح عتلم ان القانون الدولي الانساني يستطيع ان يوقف انتهاكات في مناطق النزاعات المسلحة كما يقيد وسائل واساليب القتال، مشدداً على ان هذا القانون يطبق فقط خلال النزاعات المسلحة، لافتاً الى ان اتفاقيات جنيف نصّت على ان لا حصانة لأحد.

وشرح عتلم ان الجرائم ضد الانسانية هي جرائم عادية وتتم في اي دولة بالعالم لكن كي تنتقل الى جريمة ضد الانسانية يجب ان تتحول لسياسة دولة.

ولفت الى ان الجرائم ضد الانسانية لا تحتاج لنزاع مسلح وقد تقع خلال حالة السلم، موضحاً ان جرائم الحرب في المقابل لا يمكن وقوعها في غير نزاع مسلح.

الصحافي يقدر المخاطر على الأرض

واستمر النقاش في الجلسة الثانية من اليوم الاول حول القانون الدولي الانساني فيما تطرقت الجلسة الثالثة الى كيفية حماية الصحافيين وسلامتهم حيث دار نقاش بين المشاركين حول المخاطر التي يتعرض لها الصحافي خلال تغطيته النزاعات المسلحة والحروب، كما الاستعدادات التي يجب توفرها وتدابير السلامة التي لا بد من اتخاذها كي يحمي الصحافي نفسه خلال الحروب، وتم التوافق على ان الأهم يبقى هو تقدير الصحافي نفسه للمخاطر على الارض خلال عمله مع ضرورة توفير الوسائل الاعلامية تدريبات لصحافييها.

وبعد كلمة من خبير السلامة في "الاتحاد الدولي للصحافيين" سامي أبو سالم حول آليات حماية الصحفيين في أماكن النزاعات، اختُتم اليوم الاول من الحلقة التدريبية بنقاش مع مدير المركز الإعلامي الإقليمي للصليب الأحمر الدولي في القاهرة مارسال إيزارد الذي تطرق الى حماية القانون الدولي للصحافيين وما الذي يمكن ان تقدمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا الإطار.

المدنيون محميون خلال النزاعات المسلحة

اليوم الثاني لحلقة التدريب بدأ بجلسة أولى تحت عنوان "تحديات العمل الانساني وتغطية انتهاكات القانون الدولي"، حيث كانت كلمة لتيري ريبو تطرق فيها الى عمل اللجنة الدولية في الصليب الأحمر في مجال الاحتجاز، وشرح ان اللجنة الدولية لديها الكثير من الانشطة المتعلقة بالاهتمام بالمسجونين في كل العالم، وهي تسعى لتحسين اوضاع هؤلاء وتأمين العلاج لهم.

واوضح ريبو ان الصليب الأحمر الدولي لا يبحث في أسباب سجن هؤلاء الاشخاص ولا محاكمتهم بل يركز عمله على الامور الانسانية المتعلقة بالاحتجاز، لذلك لا تستعمل اللجنة الدولية مصطلح "معتقل سياسي".

ولفت ريبو الى ان ركائز عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقوم على زيارة المحتجزين في السجون، كما يحصل عمل على اساس نهج قائم على الحوار الثنائي والسري مع السجين.

بعدها تحدث المندوب الإقليمي للجنة الدولية لدى القوات المسلحة وقوات الأمن والشرطة العميد الركن المتقاعد خالد أبو جودة الذي شدد على ان المدنيين هم اشخاص محميون خلال النزاعات المسلحة، مشيراً الى انه تم تحديدهم بأنهم اشخاص لا يقاتلون، مؤكداً ان على الجيش احترام المدنيين خلال النزاعات والا سيُحاسَب.

تحديات تواجه العاملين في المجال الانساني

الجلسة الثانية من حلقة النقاش كانت حول "صحافة المواطن وتصوير معاناة الضحايا"، حيث تحدث الخبير الاعلامي ياسر عبد العزيز عن أخلاقيات التغطية الاعلامية، فلفت الى ان الاعلام الجديد المعروف بـ"Social Media" له عدة ايجابيات وكذلك سلبيات، مشدداً على ضرورة التثبت مما يتم عرضه على مواقع التواصل المختلفة قبل تبنيه او بثه.

وفي جلسة أخيرة بعنوان "التحديات التي تواجه العمل الإنساني وتغطيته الصحافية"، تحدث الممثل الإقليمي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين السفير محمد الديري عن التحديات التي تواجه العاملين في المجال الانساني اليوم، معدّداً اهداف ومساعي المفوضية العليا للاجئين كالتالي:

-السعي لحماية المدنيين وضمان وصول الاغاثة لهم

-تطوير علاقة مع السلطات والاطراف المختلفة المتعاملة مع الأزمة بهدف حماية المدنيين والعاملين في المنظمات الانسانية

-الحصول على التمويل اللازم لمواجهة الازمات

-رفع الوعي العام بالقضايا الانسانية الموجودة للضغط من اجل انهائها

-حماية هويات بعض الفئات المستضعفة

الصليب الأحمر منظمة انسانية لا تدخل باللعبة السياسية

بعدها كانت كلمة لديبه فخر التي شددت على ضرورة توفر حد ادنى من الهدوء الأمني كي يستطيع الصليب الأحمر الدولي القيام بعمله، لافتة الى ان النزاعات الدولية التي تعطي الحق للصليب الأحمر للعمل خلالها بشكل مباشر باتت قليلة جداً، موضحة ان الحوار مع السلطات والعلاقة معهم قد يكون أمراً معقداً وبالتالي يكون الدخول الى مناطق النزاع صعباً.

واشارت فخر الى انه يتم في بعض النزاعات استهداف الطواقم التابعة للصليب الأحمر، مشددة على ان الصليب الأحمر منظمة انسانية لا تدخل باللعبة السياسية ويتم أحياناً استغلال الحوار المتكتم بين الصليب الأحمر واحدى الدول للقيام ببعض الضغوط من خلال هذه الدولة.

وتطرقت فخر الى تعاون الصحافيين مع الصليب الأحمر خلال النزاعات، لافتة الى ان الصحافيين قد يعرقلون عمل الصليب الأحمر او يعرضون طواقم المنظمات الانسانية للخطر بحال لم يعوا ما هي الواجبات المترتبة عليهم وكيفية التعاطي مع الصليب الأحمر ودوره على الأرض.

واختُتمت ورشة العمل بحلقة نقاش بين جميع المشاركين، حيث كان الإجماع على الثناء على عمل الصليب الأحمر الدولي وكذلك على سعيه من خلال هكذا دورات تدريبية على توعية الصحافيين على دور الصليب الأحمر وكيفية التعاون معه، وكذلك توعية الصحافيين على كيفية التصرف خلال تغطيتهم للحروب والنزاعات المسلحة.