يشعر الناظر الى لبنان من الخارج، ان الوطن يعيش فعلاً مرحلة دقيقة وصعبة وحسّاسة، تتطلّب معالجة استثنائية واهتماماً مركّزاً من كل المكونات السياسية والطائفية، التي تشكل جوهر وجوده، وعلّة حضوره، من حيث هو وطن يجب ان يصان بالتضحيات، لشدّة ما يمتاز به من خصوصيات، جعلت منه نموذجاً حضارياً وبلداً ذا رسالة انسانية يتخطى حدوده الجغرافية، الى أبعاد عالمية، أساسها تلاقي الأديان السماوية، وتفاعل الحضارات وحوار الثقافات، والانفتاح الدائم على الدول العربية التي تحتضن قضاياه وتقدّم لنا كل العون والدعم، كي لا يقع لبنان فريسة للأطماع والمؤامرات القاتلة التي تهدّد كيانه اليوم.

والحالة الشديدة الخطورة التي يمرّ فيها لبنان، نتيجة تأثره المباشر بالأحداث الدامية في سوريا، واستمرار معاناته من الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء غالية من أرضه، إضافة الى النزاعات الداخلية التي تعصف بين الاتجاهات الحزبية المسلّحة فيه، وفضلاً عن انكفاء الدولة عن القيام بواجباتها بفرض الأمن وتطبيق الدستور وحماية الديمقراطية والحريات السياسية، ....

كل هذه الضواغط العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، حوّلت لبنان الى ساحة للنزاعات، وميداناً للخلافات الدامية، التي يدفع اللبنانيون من كل المناطق والطوائف والطبقات الاجتماعية، كلفتها الغالية، من أرواحهم وأرزاقهم ومستقبلهم المهدد بالزوال. وهذا ما يدفع كل غيور على لبنان ان يحذر من المخاطر التي تحوط بنا من كل صوب، وان ينذر من المؤامرات التي تتكاثر وتتناسل على أرضنا، وعلى غفلة منّا، قبل ان يدهمنا الوقت ويغدر بنا القدر ونصبح بلا وطن...!

وانطلاقاً من غيرتنا الوطنية وحرصنا على صورة لبنان ودوره، ندعو أهلنا واخوتنا الى اليقظة والتّنبه، كي لا ينجرّوا غريزياً الى المشاركة في عملية التدمير المنهجي لبلدهم، وألاّ يستبدلوا وطنيّتهم بولاءات خارجية، من شأنها ان تتقاسم أرضنا، وتقتل تاريخنا، وتغتال مستقبلنا، وتخنق في الأجيال روح الأمل بقيام مجتمع ديمقراطي حرّ يكون قادراً على تحديد خياراته بجرأة المؤمن بالحقّ، وعلى اعلان قراراته بحريّة ووعي وادراك، وان يتّخذ المبادرة اللازمة لإنقاذ الوطن من التحديات القاسية التي تهدد مصيره، وتجعله غنيمة تتقاسمها الأطماع والمشاريع والمخططات والمؤامرات التي تطلّ علينا من كل صوب وناحية.

ان الواقع المأسوي الذي يمرّ فيه مجتمعنا، يتطلّب ان تقوم المؤسسات الدستورية بمهامها كاملة، وهذا يعني بالمقام الأوّل ان يشرع الرئيس المكلّف تمام سلام الى تشكيل حكومة قادرة على اعادة اللحمة والأمل الى الوطن، بأسرع وقت، قبل ان يدهمنا ظلام الفراغ ونصبح خارج منطق المؤسسات ، وعلى هامش اهتمامات الدول، البعيدة والصديقة.

لكن الأمل الأكبر يبقى في إعادة اكتساب ثقة المجتمعات الدولية، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، التي تنظر الى لبنان من موقع الإهتمام بمصيره والتضامن مع اهله والإنتصار لقضاياه الوطنية المحقّة.

ويبقى ان نتساءل ونسأل بجرأة وحرقة ، " من يعيدنا الى منطق الدولة...؟ "

"من يعيد لنا لبنان ....؟ "

* رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم