الإدمان على المخدرات هو نتيجة قبل أن يكون مرضا، نتيجة تغيير طرق عيش الشباب في لبنان والسعي الدائم للتمثل بالغرب الذي نقل إلينا في أغلب الأحيان أفكاره الهدامة أكثر من البناءة. والأهم هو أن تعاطي المخدرات كَثٌر نتيجة وجود هذه "المادة السامة القاتلة" على نطاق واسع في لبنان، وسعي الكثيرين لترويجها بسبب الربح. كثرت الأسباب التي أضحت بالمدمن مجرماً بنظر الدولة، فبات مكانه السجن ليتحول هناك الى قاتل وسارق، عوض أن يوضع في مراكز للتأهيل تساعده على التخلص من هذه الآفة والعودة الى الإنخراط بالمجتمع.

صدمة إيقاف الهيرويين مؤلمة!

"صدمة إيقاف الهيرويين كبيرة جداً ومؤلمة للغاية، ومن يقرر التوقف عن الإدمان يحتاج الى الكثير من الرعاية والتفهم". بهذه الكلمات البسيطة يعبر جوزيف وهو أحد المدمنين الذين يتلقون العلاج في إحدى مراكز التأهيل والتي زارتها "النشرة"، شارحاً أنه " بدأ بالإدمان في سن مبكرة للغاية بسبب أصدقائه، وهو الذي ألقي القبض عليه من سنتين ونيف أثناء تعاطيه المخدرات، فما كان من إحدى الجمعيات إلا أن أتت به الى مركزها للعلاج". أما الياس وهو الذي أحضر حديثا من السجن فيشير الى أنه "لا زال بحاجة الى المخدرات لأن جسمه يطلبها ولا يعرف اذا كان سيستطيع أن يتوقف عنها يوماً ما".

صلى جوزيف الى الله طويلاً ليجتاز المحنة وهو وحده ساعده على تخطيها، هو الذي رغم وجوده سنوات في المركز لا يزال يخاف من المجهول ولا يعرف إذا كان يستطيع تخطي أي إمتحان يتعرض له. أما الياس "فيدعو الى الله بدوره لتجاوز المحنة هو الذي دخل السجن"، لافتاً الى أن "مرارة العيش داخل قضبان مظلمة أصعب بكثير من التوقف عن تعاطي المخدرات".

عرقلة من القوى الأمنية!

"جمعية جاد-شبية ضد المخدرات" هي جمعية خاصة تعنى بمعالجة مدمني المخدرات وبحسب احصاءاتها السنوية فإن عدد القضايا المضبوطة وصلت الى 937 تتراوح بين التصنيع، التهريب، الاتجار، الترويج والتعاطي وأغلب الذين يتم ضبطهم هم من الجنسية اللبنانية ووصل عددهم الى 1176 أما العرب فبلغ عددهم 229 والاجانب 6.

"كلّ سنة تزداد أعداد المدمنين أكثر من السنوات السابقة والدولة هي السبب لأنها لم تقرر مواجهة هذه الآفة". هذا الكلام لرئيس جمعية "جاد- شبيبة ضد المخدرات" جوزيف حواط، الذي يرى أن "الدولة تضع إمكانياتها في الأمكنة الخاطئة فعوضاً عن تقديم الدعم للجمعيات الخاصة تساعد فقط جمعيات وهمية".

بدوره يشكو رئيس جمعية "عدل ورحمة" الأب ​هادي العيا​ عبر "النشرة"، من قيام القوى الأمنية بعرقلة عملنا في سجن رومية، "فنحن إستحدثنا مركزاً لمعالجة المدمنين وهم بنفس الوقت متهمون بجرائم أخرى، وكان مركزه المبنى "د" في السجن الا أن الأحداث الأخيرة أحالت دون إستكمالنا العمل في المكان نفسه فانتقل عمل المركز الى الطابق الأرضي من مبنى الأحداث".

ويلفت العيا الى أن "الأمور لا تزال متعثرة والقوى الأمنية تُدخل إلى المركز مدمنين معينين في حين أننا إعتمدنا معايير مهنية لدخول السجناء المدمنين إليه"، مؤكداً أن "الإدارة لا تسهل لنا عملنا خصوصاً وأن بعض المسؤولين لا يستوعبون فكرة المعالجة داخل السجن الى اليوم".

الحياة الصاخبة... وتعاطي المخدرات

هي الحياة الصاخبة التي يعيشها أولادنا دون حسيب أو رقيب، دون ضوابط ودون قيم، حياة أرادوها أن تكون حرّة في ظل غياب تام للأهل في بعض الأحيان، وإحدى النتائج هي إدمان المخدرات. هذا ما يراه جوزيف حواط، لافتاً الى أن "للتربية المنزلية والإرشاد الديني دورا أساسيا في تثقيف الأولاد وتنبيههم لعدم الوقوع في المخاطر". من جهته يشاطر العيا حواط فكرته في أن "للأهل دورا رئيسيا في توعية أولادهم الا أنه يرفض تحميل الدولة بمفهومها العام مسؤولية عدم مكافحة آفة تعاطي المخدرات وترويجها"، لافتا الى أننا "كمجتمع مدني أيضاً مسؤولون، مدارسنا الخاصة، وجامعاتنا مسؤولة عن مكافحة هذه الآفة".

علاج البدائل هو الحلّ!

للإدمان علاج يتراوح بين تأهيل داخل المراكز لمدة معينة وآخر خارج المراكز. ويقول حواط: "نتابع المدمن وهو يزور المركز باستمرار لكنه لا يبقى فيه"، لافتا الى أن "التأهيل الخارجي يتراوح بين الشهر والخمس سنوات فيما إذا أراد المدمن البقاء في المركز وأن يتم تأهيله داخلياً نرسله الى الأردن لفترة تتراوح بين الشهر والسنة والنصف". ويشير الى أن "التأهيل داخل المراكز أثبت فشله لأننا نكون نؤجل مشكلة لمدة معينة من الزمن، من هنا نشدد على العلاج خارج المركز لأنه يساعد المدمن على إعادة الإنخراط بالمجتمع". أما الأب هادي العيّا فيؤكد أن "علاج البدائل هو الحلّ وقد بدأنا به منذ سنة ونصف في لبنان وهناك حوالي 700 الى 800 شخص يتم علاجهم بهذه الطريقة في البلد"، لافتاً الى أن "فريق عمل متعدد الإختصاصات يتابع المريض خلال مراحل التأهيل من طبيب نفسي الى ممرضين الى مرشدة إجتماعية..."، مشيراً الى أن "على المريض أن يتناول "bublumorfine" خلال مراحل العلاج. هذا الدواء يدخل الى النخاع الشوكي المكان الذي يطلب المخدر، وقد لاقى نجاحات كبيرة خصوصاً وأننا لا نعالج المدمن جسدياً فقط بل نساعده على تخطي مشاكله حتى لا يعود الى الإدمان من جديد".

"المدمن لديه قدرات هائلة ولكن علينا أن نحبه ونتفهمه وأن نعرف كيف نساعده"، بهذه الكلمات يختم الأب هادي العيا حديثه. ليبقى السؤال الأهم متى ستولي الدولة إهتماما خاصا بهذا القطاع فتتنبه الى أن من تعتقلهم وتحاكمهم هم شباب بحاجة الى الرعاية والإنتباه وليسوا مجرمين؟