ما يجري هو "كارثة" و "خربان بيوت الناس".. بهذه الكلمات يلخّص مختار الحدت ناجي أسمر ما يحضّر في بعبدا وتحديداً في منطقة "الخندق" وما يتخوف أهالي الحدت من التضرر منه على أبواب فصل الشتاء المقبل إذا لم يجر التحرك سريعاً من المعنيين.

فمنذ حوالي الأشهر، بدأت مجموعة من الشاحنات برمي الردميات بشكل كبير في وادٍ محاذ لمنطقة الحدت العقارية، مغيرة بذلك معالم الطبيعة، ومؤدية إلى سدّ مجاري المياه التي تمرّ بشكل طبيعي في ذلك الوادي منذ مئات السنوات.

"النشرة" التي كانت أول من ألقى الضوء على هذه المسألة بعد تلقيها اتصالات من الأهالي مندّدة بكميات التراب الكبيرة التي رميت في المكان، تتابع اليوم مجريات هذا الملف على ضوء قرار اتخذه محافظ جبل لبنان بوقف أعمال الردم، وهذا القرار أتى بعد وثيقة إحالة أرسلتها إليه المديرية العامة للتنظيم المدني التي أشارت إلى أنه "وبعد الكشف على الموقع تمت إحالة هذا الملف إلى المحافظة لإيقاف الأعمال والطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير السريعة لرفع هذه الردميات التي أصبحت خطراً على السكان المجاورين".

عندما "يبجّ" السد...

وفي هذا الإطار يشرح أسمر سبب تشكيل هذه الردميات خطراً على سلامة أهل الحدت، مشيراً إلى أن "طبيعة الأرض هناك كانت زراعية، والناس كانت تذهب إلى المكان للتنزه، وكان هنالك مجرى نهر وناعورة وبئر مياه تسقى منه المنطقة برمّتها". ويتابع: "اليوم، تم تدمير الاخضرار الجميل وطمر البئر ولم يعد هناك ينابيع واختفت الأشجار بسبب هذه الردميات... فهذا الدمار البيئي قد تم، ولكن الأخطر من ذلك هو الخطر الكبير على سلامة الناس، فمن يحافظ عليها؟"

ويشرح أن "هذه الردميات مخيفة حقاً..." ويسأل: "عندما يأتي الشتاء أين ستذهب المياه المنزلقة؟ فالردم شكّل سداً لأنها أقفلت مجاري المياه، وبالتالي عندما "يبجّ" هذا السد المصطنع، أين تذهب المياه؟". ويقول: "أنا واثق أنها ستؤدي إلى أزمة تصل إلى كنيسة السيدة... إلى شيء شبيه بتسونامي، وهذا الأمر غير مقبول ولا يمكن القبول به".

ويشدد على أن "تحركنا هو من باب حفاظنا على سلامة أهلنا وأولادنا"، لافتاً إلى أن "حي الخندق هو الأكثر عرضة للخطر وأول المتضررين في حال الانجراف الكبير للردميات، وهناك حوالي الـ50 أسرة تقريباً مقابل الردمية مباشرة، وهناك منطقة سكنية كثيفة وشعبية..."، متسائلا عما إذا كان الشعب الفقير لا يردّ عليه أحد.

إلا أن "الشعب الفقير" كما وصفه المختار أسمر لم يشأ أن يبقى ساكتاً، بل تحرك "على قدر المستطاع" وجمع 900 توقيع على عريضة رفعها أهالي المباني المجاورة إلى محافظ جبل لبنان، وكذلك، تقدمت بلدية الحدت، سبنيه، حارة البطم بشكوى على بلدية بعبدا بسبب أعمال رمي للردميات داخل عقارات محاذية للبلدة "بشكل عشوائي".

لوقف أعمال الردم فوراً

هذه الشكوى دفعت بمتخصصين من وزارة البيئة إلى الكشف على المكان، حيث أصدروا تقريراً يشير إلى أنه "تم رمي ردميات "بكميات هائلة" في الموقع المعروف بـ"الخندق" بحيث رفع مستوى الأرض حوالي الـ10 أمتار بالإضافة إلى تراكم 30 متراً تقريباً من الردميات في الجهة الشرقية من الموقع". بالإضافة إلى ذلك، وبحسب تقرير الإختصاصيين في وزارة البيئة، فإن "كلا من بلدية بعبدا والمتعهد لم يتخذا أي إجراء عملي لمنع إنزلاق الردميات والنفايات في المستقبل القريب نتيجة الأمطار وتدفق مياه الشتاء في المجرى الشتوي الذي تم طمره، كما ولم يؤخذ بعين الإعتبار وجود عدّة أبنية سكنية محيطة بالموقع حيث أن هذه الردميات ستشكل حتماً خطراً على سلامتها في المستقبل القريب".

وتمنت وزارة البيئة على وزارة الداخلية في تقريرها "الوقف الفوري لكافة أعمال الرمي العشوائي وعدم السماح بإعطاء بلدية بعبدا أو من يدير الموقع أي ترخيص في المستقبل نظراً للضرر البيئي الذي نتج وسوف ينتج من جراء أعمال الردم"، ودعتها إلى تحميل بلدية بعبدا والمتعهد المشرف على عمليات الرمي، "مسؤولية الضرر البيئي الناتج والطلب من هاتين الجهتين، وعلى نفقتهما الخاصة، إزالة كافة الردميات الموجودة في محلة الخندق وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً قبل بدء عمليات التخريب العشوائي".

من الكاذب؟

إلا أن رئيس بلدية بعبدا هنري حلو يشدد على أن "هذه الشكاوى التي وجهت ضد البلدية هي شكاوى كيدية وتشكل تعدياً علينا"، مؤكداً أن تقريراً آخر سيصدر قريباً عن وزارة البيئة "لأنه خلال إعداد التقرير الأول لم يؤخذ برأينا كجهة معنية".

وإذ "يرفض الدخول في التفاصيل لأن أياماً قليلة تفصلنا عن تقارير جديدة ستصدر في هذا الإطار"، يشير الحلو إلى أن "الملف بات في يد رئيس الجمهورية ووزارة البيئة".

ويشرح أن "البلدية سمحت لأصحاب الأرض بالردم بهدف بإنشاء طريق يؤدي إلى عقاراتهم، وذلك تجنباً للبناء العشوائي"، نافياً أن يعني ذلك بأي شكل من الأشكال "طمر الوادي". ويوضح أن الموافقة على هذا المشروع جرت بناء على دراسة أجرتها شركة "أباف" الفرنسية. ويصف رئيس بلدية بعبدا هذه الطريقة بـ"الشرعية" لأنها "مفرزة منذ الـ1973، ويجري إنشاؤها تحت إشراف البلدية، وبالتالي ليس بطريقة عشوائية".

ولكن، تجدر الإشارة إلى أن هذه الشركة الفرنسية التي أعدت الدراسة هي شركة إشراف على الدراسات، علماً ان البدء بالردم جرى بناء على قرار بلدي أتى "بعد إطلاعه على خرائط المساح روني قحوش"، وفق الوثائق التي حصلت عليها "النشرة".

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن فرز الأرض ليس ترخيصاً، ففي حالة منطقة "الخندق" في بعبدا، يجدر الحصول على ترخيص، ويجدر بالوزارات المعنية أن تدخل "على الخط": فهذه الردمية تطال مجارٍ للمياه، وهذا يؤدي إلى تدخل وزارة الطاقة والمياه، وتستدعي أيضاً تدخل وزارة الزراعة لأنها قضت على الأشجار، ووزارة البيئة لأنها تغيّر معالم الأرض. ويقول مصدر مطلع لـ"النشرة" في هذا الإطار: "إذا كانت البلدية هي التي تخالف فبالتالي... الله أكبر!".

رئيس بلدية بعبدا ينفي الاتهامات الموجهة إليه، مشدداً على أن الرمال التي ترمى هي تلك المناسبة للرصّ، ويتم رصّها بشكل دوري، مشيراً إلى أنه سيتم زرع أطراف الطريق بالشتول والأشجار.

ويرفض الحلو "إتهامنا بالإستفادة مادياً من الشاحنات التي ترمي الرمال"، واصفاً إياه بـ"الكذب"، وكذلك يرفض "اتهامنا برمي النفايات"، ويقول: "نحن السباقون بالحفاظ على البيئة، ولا نستخدم البيئة كإسم، ونحن لم نقفل أي عبّارة، فهي مفتوحة وقد تم الكشف عليها من قبل وزارة البيئة".

وعن إمكانية تشكيل هذه الردمية خطراً على السلامة العامة لأهالي الحدت، يقول: "أعوذ بالله! لا تشكل خطراً أبداً أبداً أبداً"، وهو على أي حال بعيد عن الحدت.

إنزعاج من اللامبالاة

"النشرة" توجهت إلى حي الخندق في منطقة الحدت العقارية، وتوجهت إلى أحد المباني المحاذية لهذه الردمية، فرأت أنها لا تبعد إلا أمتاراً قليلة عنها، ولاحظت وجود أكياس للنفايات مرمية في المكان، وقد يكون أحدهم استفاد من وجود الردم ليتخلص من نفاياته بهذه الطريقة.

إلا أن المشكلة بالنسبة للمعنيين ليست في ما يتم رميه بل في وجود هذه الردمية هناك. وفي هذا الإطار، يشدد المختار أسمر "على أننا لن نرتاح ولن نسكت قبل أن يتم نزع كل الأضرار التي تسببت بها هذه الردميات". ويقول: "هذه الأرض ليست لنا وصاحبها حرّ بها، شرط ألا تسبب خطراً على السلامة العامة".

وإذ يؤكد أسمر أن أعمال الردم توقفت منذ فترة قليلة، يشير إلى أن "عملية النزع لم تبدأ بعد".

وهنا تكشف مصادر مطّلعة عن "إنزعاج في بلدية الحدت من الإستهتار وحالة اللامبالاة بالسلامة العامة نظراً لعدم تحرك أحد لنزع الردمية".

وتقول المصادر: "المحافظ أمر بتوقيف الردم على أساس إما حصول البلدية على الترخيص أو القيام بنزع الأضرار"، إلا أن الحصول على ترخيص "أمر مستحيل لأن تقرير التنظيم المدني يؤكد أن هذه الردميات تشكل ضرراً على السلامة العامة، وأيضاً تقرير وزارة البيئة لاحظ الضرر الكبير الذي أدت إليه ودعا لإزالتها"، بحسب المصادر.

وتتابع: "غمضي عين فتحي عين بتجي الشتوية" والخطر حينها سيكون داهماً على المنازل.

إنها لمن المرات القليلة التي يتمكن فيها تحرّك أهليّ من الوقوف بوجه مشروع من هذا النوع، ودفع المعنيين إلى التدقيق أكثر بشروطه البيئية وباحترامه لشروط السلامة العامة. وفي هذا الإطار، ينتقد المصدر حالة "الإحباط التي يعاني منها بعض اللبنانيين جراء رضوخهم للأمر الواقع أمام الجرائم البيئية وجراء إهمال قواعد السلامة العامة"، مشيراً إلى أن "نجاحاً من هذا النوع، ولو لم يتكلل بشكله النهائي بعد، يؤدي إلى إعطاء المجتمع المدني إندفاعاً للتحرك كلما رأى ما يضرّ بسلامته وبطبيعته".

تصوير حسين بيضون (الألبوم الكاملهنا)