تابعت الجماهير العربية باهتمام بالغ نشاط الشارعين المصريين الموالي والمعارض لحكم الاخوان المسلمين. وانشغلت الالسن بالدعاء لمصر ان تنجو من فتنة اهلية. عام واحد من الاخوان كان كافيا لتبديل مزاج شرائح كبيرة في المجتمع المصري، فضلا عن تبدل مزاج انظمة رعت رحيل الرئيس حسني مبارك والموجة الاسلامية العارمة التي اوصلت الرئيس المخلوع محمد مرسي الى الحكم.

لا شك ان "الشبق" الاخواني للسلطة ساهم في صياغة ردات الفعل الكبيرة على حكمهم. فالتوظيفات التي لجأوا اليها من خلال عزل وتعيين المئات من المسؤولين، اضافة الى التدخل بالقضاء وغيرها العشرات من المخالفات، كلها ساهمت في تعجيل مثول حكم الاخوان امام السلطان الاميركي الذي وجه الضربة القاضية.

ان اقصاء هذه الحركة لعقود وقتل قادتها وسجنهم لم يكن كافيا لان يدخلوا الى المجتمع المصري من بوابة الدين. اصلا ان المصريين شعب متدين وليسوا بحاجة الى تنظير عليه من باب الجلابيب واللحى والتكفير والتطرف (وان سار ركب كبير في هذا السياق).

حزب النور السلفي بدأ بتمييز موقفه قبيل ايام من التطورات الاخيرة ونزول الشارعين. وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل كان على اتصال بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي. شيخ الازهر الشريف احمد الطيب وبابا الاقباط تواضروس الثالث حضرا اجتماعا مع السيسي من باب الاطلاع على ما سيحدث والموافقة عليه. وفي ظل ظروف دولية سانحة للاعب الاميركي الاوحد، مرت الحركة العسكرية بسلاسة.

ضجت وسائل اعلام عديدة حتى ساعات الفجر بالاحتفالات في التحرير ومدينة الاسكندرية وغيرها.

لماذا فك الاميركيون حلفهم التاريخي مع الاخوان المسلمين؟ وبهذه السرعة؟ وفي هذا التوقيت؟

لم تمتلك قيادات الاخوان المسلمين اي حس مرهف لتوقع المقبل من الاحداث. فهم مزودون بجرعات الثقة بالنفس وقلة الخبرة السياسية (على عكس ما يدعون)، جعلتهم اصوات ميدان العدوية يصمون آذانهم عما يحدث في كل الساحات الاخرى. سنحت للمرشد كما للرئيس مرسي فرص عديدة لتدارك الموقف، فما كان من الاخير الا ان قلد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في ردوده الصلفة على حركة "تقسيم". لكن مصر تختلف جذريا عن تركيا وهذا ما لم يدركه قادة "الاخوان". بل تسلح هؤلاء بموافقة غربية على مجيئهم الى السلطة بانتخابات ما بعد ثورة "25 يناير" (25 كانون الثاني). ومع اعلان القوات المسلحة مهلة 48 ساعة لانهاء الازمة او التدخل، دخلت مصر عهدا جديدا، ولم تنتظر انقضاء المهلة. فهذه الفترة غير كافية لاي اتفاقات وما هي الا الوقت اللازم لتنفيذ التعبئة العامة العسكرية تحسبا للمقبل من الايام.

ظهر مرسي بعد اعلان تعليق الدستور من خلال تسجيل فقير يفتقد حتى الى البعد الفني الادنى. ظهر مستنجدا الحشود في استغاثة اخيرة لم تنفعه بشيء. من الجهة الاخرى بدا الرئيس الاميركي باراك اوباما في اخبث مواقفه. فهو يحذر من مما يحدث ولكنه يؤيد الاستجابة للجماهير. هو لا يرفض لانه صنع الحدث، وهو يؤيد خلع الحركة الاسلامية عن عرشها الذي اسأت استخدامه. كذلك جاءت المواقف الاوروبية تباعا، بعضها رافض لكن مستكين الى ما حصل.

عول الاميركيون على تحول الاخوان المسلمين الى حركة سلطوية تنضوي تحتها جماعات اسلامية مجاورة تنهج نحو التسوية مع اسرائيل وضمان امن الكيان المحتل. لكن ما لم يرده الاميركيون هو ان تتحول مصر (انطلاقا من سيناء) الى قاعدة سلفية متطرفة تعتمد على تكفير الاخر (رفع متظاهرو ميدان رابعة القرآن الكريم بوجه الاخرين).

السذاجة الكبيرة التي ادار بها الاخوان البلاد لم تبق لهم من صديق بالرغم من فرصة ذهبية لبلورة ما نادوا به من ايام الاستاذين حسن البنا وسيد قطب. فهم لم ينجحوا داخليا في طمأنة الاطراف المعارضة كذلك لم ينجحوا في ادارة اي ملف خارجي. الملف الاثيوبي دليل على الخفة التي تعامل بها الرئيس مرسي مع الامر الذي وصل الى تهديد بالحرب قبل اي اتصال بالدولة الجارة، الامر الذي استدعى ردا محرجا من الجيش المصري على رئيسه.

لا شك ان الشريك السعودي والراعي العربي لما حصل، مهتم بابقاء دوره هو الطاغي، بعيدا عن مشاغبات قطر الداعمة الاولى للاخوان المسلمين في الخارج. ولا بد من النظر الى الانزعاج الاماراتي من دور قطر الذي تجلى في عدم المساومة على ملف شبكة الاخوان التي القي القبض عليها وحوكمت مؤخرا. ان ما حصل في مصر سيلقى صداه على الحركات المقاتلة في سوريا وعلى السياسة الدولية حيالها. فمع انتفاء امكانية عقد جنيف 2 للحل السياسي ومع منع السلاح المتطور عن المعارضة خوفا من وقوعه بايدي "جبهة النصرة" ومع تقدم الجيش السوري في مناطق عدة، فان سوريا ستكون ميدانا لمناوشات دائمة وحرب استنزاف مستمرة، لكن مع تراجع للدور القطري والتركي فيها. فالولايات المتحدة ترفض بأي شكل ان تغامر بفوز حركات متطرفة على الارض، بالقدر الذي ترفض فيه بقاء نظام الرئيس السوري بشار الاسد. لكنها وبفعل الموقف الروسي قد تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازل سياسي كبير هو الاول لروسيا منذ عقود.

ما حصل في مصر درس للحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي ككل. فالتطرف في الاحكام كما التفريط بالقضايا من خلال الارتهان للخارج دربان لا يبصران افقا. شكرا شمعون بيريز كانت البداية، وخفة الحكم انهت القصة، فالاخوان لم يصوموا في القاهرة ولا افطروا في تونس.