صُرف الكثير من "الحبر" خلال اليومين الماضيين استنكارا لـ"الاغتيال السياسي" على خلفية مقتل السياسي السوري رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب محمد ضرار جمّو في منطقة الصرفند..

"تناوب" فريقا الموالاة والمعارضة في لبنان وسوريا على "إدانة" الجريمة التي سارعوا لوضعها في خانة السياسة، فشكّلت "دليلا" بالنسبة للموالين للنظام السوري على "إرهاب" المجموعات المسلّحة المسماة "معارضة"، وهي التي قرأت فيها "محاولة لاسكات الصوت الحرّ"، فيما سعت جهات معارضة إلى "تبرئة" نفسها من الجريمة بعدما وجدت نفسها في موضع "الاتهام"، ملعنة رفضها لـ"القتل دون محاكمة"، في وقت برزت مجموعة ثالثة لم تتردّد في وصف الجريمة بـ"الانجاز الميداني"، ولو لم تجاهر بموقفها هذا..

ووسط هذه "الفوضى العارمة"، أتت "المفاجأة الصاعقة" لتطيح بكلّ "الحبر" الذي صُرف، ولتصدر "الحكم – الصدمة": الجريمة عائلية شخصية، والأرملة هي التي حرّضت على قتل زوجها!

زوجة جمو وراء مقتله؟!

هي معطيات قلبت الصورة رأسا على عقب. جريمة اغتيال الناشط السياسي السوري ​محمد ضرار جمو​ ليست سياسية، كما تراءى للجميع منذ اللحظة الأولى، وكما أراد لها منفذوها أن تظهر. كلّ ما قيل في وصف الجريمة من سياسيي الصف الأول قبل غيرهم لم يكن مبنيا إلا على "افتراضات" سرعان ما تبيّن أنها لا تمتّ للحقيقة بصلة.

الجريمة عائلية شخصية. هذا ما توصّلت إليه التحقيقات الأولية، ووثّقته مديرية التوجيه في الجيش اللبناني ببيان واضح لا يحتمل اللبس، أعلنت فيها أنّ مديرية المخابرات توصّلت إلى تحديد هوية الفاعلين وتوقيفهم وضبط السلاح المستخدَم في الجريمة، وقد تبيّن من التحقيق الأولي أن لا دوافع سياسية وراء الحادث.

وما لم تذكره قيادة الجيش صراحة أعلنته المصادر المواكبة للتحقيقات إذ كشفت أنّ زوجة ضرار جمو، سهام، التي استجوبتها السلطات السورية وفق معلومات لـ"النشرة"، هي التي حرّضت على قتل زوجها، وأن شقيقها بديع وابن شقيقتها علي نفذا الجريمة، وتبيّن أن القتلة قد عطلوا الكاميرات قبل يومين تمهيدا لتنفيذ جريمتهم، علما أنّ المعلومات أفادت أنّ الخلافات تعود إلى أنّ جمو كان يريد نقل عائلته الى سوريا إلا أنّ الزوجة رفضت واستنجدت بشقيقها الذي نفذ مع ابن شقيقته الجريمة، في وقت تحدّث البعض عن "خلافات" تعود لمرحلة ماضية، وهو ما يفسّر غياب المغدور عن منزله خلال الأشهر الستّة الماضية.

لحكومة لا تستثني أحدا..

وفيما كان السياسيون اللبنانيون منهمكين خلال الساعات الماضية باستنكار واستهجان الجريمة التي تبيّن أن لا علاقة لها بالسياسة، وهو ما لم ينتظروه على جري عادتهم وهم الذين لطالما برّروا "أخطاءهم" على هذا الصعيد بأنهم لجأوا لـ"الاتهام السياسي"، بقي "الجمود" يسيطر على الملف الحكومي، تزامنا مع "تلويح" رئيس الحكومة المكلف تمام سلام بـ"خطوة ما" فُسّرت على أنها قد تكون "حكومة أمر واقع"، حيث أعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في قصر بعبدا أنّ كل الاحتمالات أمامه وكلّ الخيارات متاحة، "وفي لحظة ما على المسؤول أن يخطو خطوة باتجاه الفراغ".

وفي حين فشل الاتحاد الأوروبي في إدراج "حزب الله" على لائحة "الارهاب" كما كانت إسرائيل تطالب، لفت الاتصال الذي تلقاه رئيس الجمهورية من نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند والذي عبّر فيه الأخير عن "أمله في ان يتم تأليف حكومة جامعة لا تستثني اي مكون اساسي من المجتمع اللبناني"، كما أبلغ سليمان استعداد بلاده لمد الجيش اللبناني بالصواريخ الخاصة بالطوافات التي تم توقيع اتفاق بشأنها بين الجانبين في خلال زيارة سليمان لفرنسا.

ووسط "الغابة من الشروط والشروط المضادة"، كما وصفها سلام، استمرّت السجالات الحكومية، ولفت كلام لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أعلن فيه أنّه لن يتخلى عن حصته في الحكومة لاحد، علما أنه كشف أنّ "حزب الله" وحركة "أمل" يتوليان التفاوض باسمه في المرحلة الراهنة، وأنه لا يمانع أن يتحدث العماد ميشال عون التفاوض باسمه أيضا في حال سأله ذلك.

وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "النهار" أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كلف الوزير علي حسن خليل الاتصال برئيس الحكومة المكلف الذي يرجح ان يلتقيه اليوم لينقل اليه دعم بري لمساعيه لتأليف الحكومة وتجديد الموقف أمامه بان قوى 8 آذار ليست كتلة واحدة بمعنى ان العماد ميشال عون وحده و"أمل" و"حزب الله" وحدهما وان لا داعي للكلام عن الثلث المعطل.

كلمة أخيرة..

بسرعة قد تُعتبر قياسية، تمّ الكشف عن ملابسات جريمة اغتيال الناشط السوري محمد ضرار جمو، في "بادرة" تمنى اللبنانيون لو تنعكس على الكثير من الجرائم التي مرّت على البلاد خلال عقود ولم يتمّ كشف "حقيقتها" حتى الساعة..

والأهم من الآمال تبقى "العبرة" التي يجب أن يأخذها السياسيون بعدما كشف النقاب عنه، لعلّهم يدركون أهمية "الفصل" بين السلطات، ويكفوا عن لعب دور "القاضي" وإصدار "الأحكام" دون حسيب أو رقيب، والتذرع بعد ذلك بأنها كانت "أحكاما سياسية"، ونقطة على السطر!