قبل أيام، اتصل الرئيس فؤاد السنيورة بالرئيس عمر كرامي، وعرض عليه عقد لقاء جديد لرؤساء الحكومات السابقين لبحث أزمة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ودار الفتوى معاً، بعد التطورات الأخيرة التي برزت حيال هذا الملف، والتي كان آخرها توقيع 86 شخصاً من أعضاء الهيئة الناخبة في المجلس الشرعي الأعلى على عريضة إقالة قباني.

ردّ «أفندي» طرابلس على رئيس كتلة «التيار الأزرق» النيابية كان أنه خلال شهر رمضان، يُفضل أن يبقى في طرابلس، وأن لا يتكبد عناء النزول إلى بيروت. ولكن بعد إنهاء المكالمة بوقت قصير، عاود السنيورة الاتصال بكرامي وقال له: «إذا كنت لا تريد أن تنزل إلى بيروت، فنحن سنأتي إليك في طرابلس»، فردّ كرامي: «أهلاً وسهلاً بكم».

على هذا النحو، تقرر تحديد اليوم السبت موعداً للقاء رؤساء الحكومات السابقين على مائدة كرامي في منزله بعاصمة الشمال، وهو لقاء يُنتظر أن يحضره إلى الرجلين كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام. أما الرئيس سليم الحص، فلم يُعرف إذا كان سيحضر أو لا، بسبب موقفه المعارض لإقالة قباني ومعارضته للسنيورة في مسعاه، وإن كانت الترجيحات تقول إنه سيحضر اللقاء نظراً إلى ما يجمعه بكرامي من علاقات جيدة، إلا إذا حال وضعه الصحي دون مجيئه إلى طرابلس، شأنه في ذلك شأن الرئيس رشيد الصلح، بينما يغيب الرئيس سعد الحريري، بطبيعة الحال، لوجوده خارج لبنان.

الإفطار الرمضاني الذي يُنتظر أن يجمع غروب اليوم شاغلي الرئاسة الثالثة، يُعدّ الأول من نوعه الذي يُعقد في طرابلس، بعدما جرت العادة في السنوات الأخيرة أن يعقد، وعندما تدعو الحاجة، في السرايا الحكومية الكبيرة. وهذا أمر له دلالات سياسية بالغة، أبعد من كونه مجرد استجابة للياقات اجتماعية.

فالسنيورة ومن ورائه تيار المستقبل، وبعدما باتت معركتهما مع المفتي تحمل طابعاً شخصياً، وبعدما أصبحت «تحدياً» حقيقياً بالنسبة إلى الطرفين، اضطرا مكرهين إلى طلب العون من الأطراف الرئيسية الأخرى في الطائفة السّنية، وعلى رأسهم رؤساء الحكومات السابقين، بعد محاولات استمرت طيلة العقدين المنصرمين لم يوفر فيهما قاطنو قريطم وقصر أياس فرصة إلا بذلوها لشطب أي شخصية سنية من المعادلة السياسية، لكن مساعيهم لم يكتب لها النجاح.

انطلاقاً من هذا الواقع، يتوجّه السّنيورة اليوم إلى طرابلس لا لتناول طعام الإفطار على مائدة «أفنديها»، الذي خاصمه السنيورة ومن قبله الحريري الأب والابن معاً لأنه رفض أن يكون طوع أمرهما وتحت جناحهما؛ ولا يأتي السنيورة كذلك إلى طرابلس للقاء ميقاتي الذي لم يترك تيار المستقبل في السنتين الأخيرتين صفة شنيعة إلا ألصقها به، بل لأن رئيس كتلة المستقبل النيابية يُدرك أنه لن يتمكن من «خلع» المفتي من منصبه من غير أن يتفاهم مع كرامي وميقاتي، والتنازل لهما، بعدما كان تخيّل تنازل «الزرق» أمام نظرائهم في الطائفة، في العقدين الماضيين، ضرباً من ضروب المستحيل.

إزاء هذا التطور، يؤكد مقربون من كرامي أن المفتي «لم يعد يتمتع بالشرعية المطلوبة ليبقى في منصبه»، لكنهم يرون بالمقابل أنه «لا يمكن إبعاده منه بالقوة»، مشيرين إلى أنه «كنا طيلة السنوات الماضية نركز على تصحيح الخلل في أداء المفتي ودار الفتوى من جهة، ومن جهة أخرى حفظ مقام وكرامة الدار ومن يسكن فيها، وبالتالي الحفاظ على كرامة الطائفة».

ويبرر المقربون من كرامي توقيعهم على عريضة عزل المفتي بأنه «ينسجم مع قناعاتنا، فالمفتي ارتكب مخالفات هم يعرفونها، لكنهم غطوها لأنه كان موالياً لهم، وعندما خاصمهم باتوا يريدون عزله»، قبل أن يسألوا: «هل عندما التقى سمير جعجع في دار الفتوى لم يكن مرتكباً للمخالفات؟».

أما ميقاتي، فيرى مقربون منه أنه «يفضّل تهدئة الأمور قليلاً، سواء من جهة المفتي أو من جهة السنيورة وتياره»، لافتين إلى أن «خيار ميقاتي الذي يراه المناسب أكثر في هذه المرحلة هو أن يمضي المفتي ولايته حتى نهايتها في العام المقبل، وتسيير أمور دار الفتوى بالحد الأدنى».

ويؤكد المقربون من ميقاتي أنه «يؤيد تسوية معينة تحفظ ماء وجه الجميع»، لكن قراراً كهذا برأيهم «يجب التوافق عليه بين جميع الأطراف، لأن لا أحد يستطيع التفرّد به»، معتبرين أن «أخطاء المفتي السابقة لم تترك مجالاً لأحد في الدفاع عنه، لكن بالمقابل يجب عدم «بهدلة» مقام المفتي والدار أكثر من ذلك».

بالمقابل، فإن أوساطاً دينية سنية مطلعة ترى أن السنيورة وتياره «يعرفان جيداً أن كرامي وميقاتي لن يُقدّما لهما ورقة «نزع» المفتي قباني، أو «تحديد» اسم المفتي المقبل مجاناً، بلا المساومة على حصة كل طرف منهما فيه، وكذلك حصتهما في المجلس الإسلامي الشرعي المقبل، ما يفرض رسم «خريطة طريق» لن يكون التيار الأزرق اللاعب الرابح والوحيد فيها.

الأوساط المذكورة التي تعدد «خطايا» المفتي قباني التي ارتكبها في السنوات الأخيرة، وهي كثيرة برأيها، سياسياً وإدارياً، وأنه ذهب بعيداً في خصومته مع تيار المستقبل إلى حدّ كسر الجرة معه، من غير أن يربح خصومه، تشير إلى أمرين: الأول أن هناك غطاءً سعودياً توافر لإبعاد قباني؛ والثاني أنه إذا كان السنيورة عنده مئة هدف سيئ لعزل المفتي، فإن الأخير يعطيه بالمقابل، بسبب ممارساته وقراراته الخاطئة، مئة تبرير لتكون خطوات السنيورة «شرعية».