الكثيرين اعتبروا قرار الاتحاد الاروبي بوضع حزب الله على لائحة الارهاب استجابة لضغوط مارسنها الادارة الامريكية وقادة الكيان " الإسرائيلي على دول الاتحاد الاوربي. وهذا كلام دقيق لطالما جاهز بها الطرفان ولم يخفياها في سياق التحريض المتواصل والمستمر على الحزب . ولكن لماذا اختار الاتحاد الاوربي هذا التوقيت وفي هذه المرحله ؟ لا يختلف اثنان على أن ذلك يأتي في سياق الحرب المفتوحة على قوى المقاومة في المنطقة والتى يقف حزب الله في طليعتها. وليس كما يعتقد البعض أن هذا القرار الاوربي أتخذ على خلفية الاحداث الدائرة في سورية واتهام حزب الله التورط أو التدخل فيها لصالح الدولة ألسورية بمعنى أخر حتى لو لم يتدخل الحزب في هذه الاحداث ووقف على الحياد ونأي بنفسه تماماً عنها فإن القرار الاوربي سيتخذ بحق الحزب وسيدرج على لائحة الإرهاب .لأن الحزب ومنذ العام 2000 يعتبر أنه قد غير في قواعد اللعبة في المنطقة عندما فرض المحتل " الإسرائيلي " الانسحاب من الجنوب اللبناني ومن دون أية اتفاقات أو التزامات سياسية أو عسكرية أو أمنية معه . فالأمريكي " والإسرائيلي " استشعرا بجدية التغير في قواعد اللعبة في محطات ثلاثة:

1. عندما اندلعت انتفاضة الأقصى الفلسطينية في أيلول من العام 2000 أي في عام انتصار المقاومة وحزب الله على العدو في الجنوب أللبناني أي بعد أقل من خمسة أشهر على الانتصار المدوي الذي اعتبرته الدوائر الامريكية والصهيونية المحقر لهذه الانتفاضة ؛ بمعنى أن حزب الله بانتصاره هذا أعتبر المسؤول عن تعريض اتفاق أوسلو للخطر بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية المتأثرة بنتائج انتصار المقاومة والحزب في لبنان الدار القريب لفلسطين . وتشريع هذه الانتفاضة للمقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية في عمق الكيان.

2. انتصار المقاومة والحزب في صد العدوان " ألإسرائيلي على لبنان في العام 2006 وإلحاق هزيمة نكراء بالجيش " الاسرائيلي" وتمريغ كبريائه في ألوحول اللبنانية وإفشال كل أهداف العدوان وهي القضاء على حزب الله وقدراته العسكرية وإجهاض فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به الوزيرة الامريكية رايس. هذا الانتصار الذي حققه حزب الله وضع الكيان الصهيوني ولأول مرة ومنذ تأسيسه ككيان أحلائي وإحلالي على حساب الشعب الفلسطيني أمام خطر وجودي واستمراره ككيان في المنطقة وتقرير فينوغراد الشهير الذي جاء ليحدث تداعيات مباشرة على القيادات السياسية والعسكرية والأمنية بل وعلى الجمهور " الاسرائيلي".

3. وعندما قررت إسرائيل رد اعتبارها كقوة ردع في المنطقة بعد أن هزمت في لبنان العام 2006 شنت عدوانيين واسعي النطاق على قطاع غزة في العام 2008 والعام 2012 حاملة ذات الاهداف في عدوانها على المقاومة في لبنان العام 2006. ولكن هذين العدوانيين على المقاومة في قطاع غزة قد فشلا وانتصرت المقاومة الفلسطينية التي بدورها قد غيرت قواعد اللعبة عندما قصفت مدينة تل أبيب في ردها على العدوان العام 2012 . وهنا أيضا اتهم حزب الله وكل من سورية وإيران بأنهم وقفوا وراء الدعم اللامحدود للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ وتم تحميلهم مسؤولية ذلك من قبل الدوائر الأمريكية و ألإسرائيلية

ولأن تغير قواعد اللعبة في المنطقة لصالح قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة خط أحمر كونه يتهدد مباشرة أمن الكيان الإسرائيلي والمصالح الامريكية والغربية تقرر التحرك لمعاقبة هذه القوى وجعلها تدفع الثمن . واليوم وظل ما تشهده سوريا من احداث مأساوية منذ ما يزيد عن العامين ؛ فلا بأس من توظيف هذه الاحداث من اجل تقويض تحالف قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة ورد الصاع صاعين له على ما تقدم من التجرؤ على تغييره لقواعد اللعبة في المنطقة . جاء القرار الاتحاد الاوروبي في إدراج حزب الله على قائمة الإرهاب جاء ليخدم جملة من المطالب والمتطلبات وعلى قاعدة المصالح والمنافع المتبادلة :-

· إرضاء دول الخليج المستورد الأكبر للأسلحة في المنطقة . فأوروبا بدولها الطامعة والطامحة وفي ظل أزماتها الإقتصادية والمالية الخانقة تخشى على الدوام من الولايات المتحدة المنافس التقليدي لها في سوق السلاح الخليجي . لذلك هي على الدوام عرضة للابتزاز السياسي من قبل دول الخليج التي تدفعها دفعا بالرغبة أو بعدمها لاتخاذ قرارات مفصلية ؛ ومنها التدخل المباشر في ليبيا جاء بطلب خليجي فاستجابت كل من فرنسا وبريطانيا صاحبة النفوذ الاقوى بين دول الاتحاد الاوروبي. والجميع يتابع كم أرتفع منسوب المواقف الشاجبة والمتهمة التي تبديها دول مجلس التعاون الخليجي ضد حزب الله بذريعتين الاولى الحراك الشغبي في البحرين والثانية اتهام الحزب بالتدخل في أحداث سورية حيث مثلت معركة القصير نقطة التظهير لهذه المواقف والتي كانت مستترة منذ زمن. حتى أن دولة البحرين كانت السباقة في إدراج حزب الله على قائمة الإرهاب.

· محاولة امتصاص غضب ونقمة " إسرائيل" على خلفية القرار الاوروبي الأخير بشأن الاستيطان للأراضي الفلسطينية المحتلة والذي استقبلته حكومة نتنياهو بالشجب والاستنكار.

· العمل من خلال القرار على تهدئة روع المعارضة المشككة في صدق نوايا الأوروبيين والأمريكيين تزويدها بالأسلحة النوعية. والتأكيد من خلال القرار أن اوروبا لا زالت ملتزمة الوقوف الحازم الى جانبها في مواجهة الدولة السورية والنظام فيها .

· القرار الأوروبي وإن ظاهره الرضوخ للإرادة الامريكية ؛ ولكن في المقلب الآخر هو مقايضة بين الدول الأوروبية وأمريكا حول مسألتان تتعلقان بالملف السوري ؛ الاولى الإفراج عن قرار تسليح المعارضة السورية بالأسلحة النوعية . والثانية دفع الإدارة الأمريكية الى التشدد في مواجهة القيادة الروسية خصوصا أن قمة لا زالت مرتقبة بين الرئيسين بوتين واوباما.

وفي ظل احتدام الخلاف السياسي الحاد في لبنان يأتي القرار الاوروبي ليؤكد أنه ليس بعيدا عن المشهد الداخلي اللبناني وهي معنية كما كل اللاعبين من دوليين و إقليميين. وفهم القرار ضد حزب الله على انه انتصار لفريق سياسي في مواجهة فريق سياسي اخر في عناوين الملفات المختلف عليها بين الفريقين.

يبقى القول أن القرار الأوروبي بحق حزب الله جاء ليؤكد أن الدول الكبرى وبغض النظر عن أحقية ومبررات ومسوغات قراراتها فهي تنطلق على الدوام من ثابتة لا تتغير أن الدوافع تأخذ في اعتبارها تقاطع المصالح في علاقات الدول في ما بينها.