يحل عيد الجيش هذا العام حاملاً معه ذكرى أليمة، بعد أحداث عرسال وعبرا التي حملت معها غصة كبيرة في قلوب عائلات خسروا أبطالاً قدموا دمهم قرباناً على مذبح الوطن. فكم هو عظيم هذا البلد وكم هي غالية تلك الأرض التي لم ولن تشبع دماً قدّمه الجيش البناني في سبيل صون وحفظ أمن هذا البلد!

اليوم التقى اللواء الشهيد فرنسوا الحاج والمقدم الشهيد صبحي العاقوري وغيرهما من الشهداء بالمقدم المغوار الشهيد جورج أبو صعب والنقيب الشهيد سامر طانيوس وغيرهم .. بعد طول غياب في "جنات الخلد"، وهم من كانوا ينظرون اليهم من فوق فخورين بأعمالهم وببطولاتهم لكنهم لم يدركوا أن رفاق السلاح سيلقون نفس المصير... رحل الأبطال تاركين غصة في قلوب العائلة والاولاد ونقمة في صفوف ضباط مجروحين ومستعدين للموت في سبيل الوطن!

فرنسوا الحاج "قائد ​شهداء الجيش​"!

"العظماء يخططون..الكبار يقودون... الابطال ينتصرون... والجبناء يستثمرون"، شعار كان أطلقه اللواء الشهيد البطل فرنسوا الحاج، ليس عن عبث بل عن تجربة تطبق كلً يوم. هو ذلك القائد العظيم الذي خطط، وقاد حتى النصر. فكانت حياته ثمناً لمعارك قادها في البارد والضنية والقليعات وسوق الغرب...هو من أبت أيادي الغدر أن تطاله في المعارك فأسكتته بعبوة ناسفة وضعت خوفاً من سيف هذا "القائد" الذي كان سيقطع الطريق على كل العابثين بهذا البلد. هو فرنسوا الحاج "قائد شهداء الجيش" كما تصفه زوجته لودي التي لازالت حتى اليوم تبكي رحيل رفيق الدرب وحبيب العمر، "هو الكبير الكبير الذي أراد المؤسسة العسكرية حصناً منيعاً لا يتجرأ أحد على المس بها". هي التي ترى أن "مسلسل الشهداء لم ولن ينتهي، ففي كلّ مرة نقول فيها أننا انتهينا نجد أننا لا زلنا في البداية، فلماذا يعتدون على الجيش؟"

يوم قاد الحاج معركة نهر البارد وانتصر فيها ودّع وبكى رفاقاً له دفعوا حياتهم ثمن هذا النصر ومنهم المقدم الشهيد المغوار صبحي العاقوري. اليوم وبعد مضي سنوات على الرحيل، تبكي ليا العاقوري تلك السيدة المثابرة لا رحيل زوجها فحسب بل رفاقاً له ساعدوها طيلة السنوات السابقة ووقفوا الى جانبها ومنهم الملازم المغوار جورج أبو صعب صاحب الايادي البيضاء في إنجاح عمل مؤسسة المقدم الشهيد صبحي العاقوري. وتشير الى أنها "يوم وزعت 5000 هدية في الميلاد على أطفال شهداء الجيش بمساعدة "جورج" لم تكن تدرك أن فراق هذا الشخص العزيز قريب".

لا محاكمة لـ"فتح الاسلام"!

"هي ليست "الاصولية" من اغتالت فرنسوا الحاج بل من يحركها"، هذا ما تؤكده لودي الحاج في حديث لـ"النشرة" هو الأول لها بعد غياب لسنوات عن الاعلام، وتقول: "خافوا من زوجي فقتلوه". تسكت لودي الحاج حين تُسأل عن الدولة هي التي ضعف إيمانها بها بعد أن قدمت وعائلتها خيوطاً عن الجريمة "ولكن توقف كلّ شيء". أما العاقوري فتشير الى أنه "ومن أحداث جرود الضنية الى اليوم لم نشهد أي محاكمة لعناصر "فتح الإسلام" الذين إعتدوا على الجيش بل على العكس بعضهم دفعت كفالته وآخرون هربوا، وبعد هذا كله يتهمون الجيش بإنه مقصّر".

تأسف لودي الحاج لما "آلت اليه أوضاع البلاد خصوصا مع قتال الجيش داخلياً أكان في عرسال أو عبرا أو غير ذلك"، رافضةً أشد الرفض "محاكمة الضباط بعد أحداث عبرا، فمن المعيب محاكمة الجيش وليس هو من افتعل المعركة بل اعتدي عليه". تشاطر العاقوري الحاج قولها، مشددةً على ضرورة "إعطاء معنويات لجيش حتى يقوم بواجباته، فهو ضماتنا الوحيدة في هذا البد".

الجيش مؤسسة دون لون أو طائفة!

الجيش اللبناني​ هو المؤسسة الوحيدة التي لا لون لها ولا طائفة. هي المؤسسة التي قدمت شهداء من كلً الطوائف. ومنهم الشهيد غالب قالوط وهو الذي قضى في معركة نهر البارد. في 2/08/2007 استشهد غالب وبقي عيد العلم ذكرى اليمة تطبع في ذهن عائلته رغم ايمانهم الكبير بالحيش. وفي المناسبة تؤكد زوجة الشهيد باسمة قالوط لـ"النشرة" أن "كلّ الكلام عن الطائفية في الجيش أو إنقسام في صفوفه هو غير وارد، لأن الجيش طائفته "الوطن"، لافتةً الى أن "هذا الكلام هو لاضعافه لكنهم لم ولن ينجوا بمخططهم". أما زوجة الملازم الشهيد جورج بوصعب هي التي مضى أربعون يوما على فراقها "جورج" تشعر أن دعم الجيش أصبح "بلا طعمة" بعد استشهاد زوجها، وتروي أنه "حين زارتها زوجة الراحل فرنسوا الحاج لتقدم واجب العزاء قالت "فرنسوا راح وما عرفنا شي من بعد ما مات وما بظن انو رح نعرف شي عن كل هالشهداء"، تؤمن زوجة أبو صعب بهذا الكلام متسائلة "لماذا يتركون الأمور تكبر وتكبر لتكون حياة الضباط هي الثمن في النهاية، لماذا لا يضعون حداً لكل هذه الظواهر من البداية وقبل ان نتكبد خسائر فادحة؟"

تعتبر زوجة أبو صعب أن "دخول أولادها في السلك العسكري قرار يختارونه هم وهي لن تعارضهم إذا ارادوا ذلك"، ولكنها تلفت الى أنها "لا تحب لابنها ان يسلك هذه الطريق، لا خوفاً من الموت فهو قدر محتوم بل لأن الطريق صعبة ولا وقت فيها الا لخدمة الوطن". وتشجع قالوط "أولادها على دخول السلك العسكري، لأن خدمة الوطن واجب حتى لو كنا قدمنا شهداء".

"مؤسسات" تخليداً لذكرى الشهداء!

هذه هي الحكاية، رحل الأحباء وبقيت الذكرى، أرادت عقيلات الشهداء أن يخلدن ذكرى أزواجهنّ في أمور كانوا يحبونها وهي "العائلة والجيش". فأسست ليا العاقوري مؤسسة المقدم الشهيد صبحي العاقوري المدعومة من قيادة الجيش ومن بعض البلديات وأياد بيضاء، وقد أخذت العلم والخبر بها منذ عام 2009. أرادت ليا أن تكون هذه المؤسسة تخليدا لذكرى زوجها ومنذ ذلك الوقت والنشاطات التي تقوم بها دورية يساعدها في إنجازها رفاق لصبحي منهم من استشهدوا ومنهم من هو على قيد الحياة لا يدري متى يلقى حتفه. فجهزت "7 حدائق في مختلف المناطق اللبنانية في جزين وبعلبك ورياق ودير الاحمر.."، كما وتقوم "بمخيمات ترفيهية لاولاد الشهداء في ثكنات للجيش"، وتضيف: "أحب صبحي العائلة كثيراً، وأحب رؤية الفرح في نفوس الاطفال لذا نحن في المؤسسة نفعل المستحيل لنحقق ما كان يحبه، وقد أخذنا على عاتقنا سنوياً أخذ عدد من الاطفال الى خارج البلاد للترفيه والتسلية فالسنة الماضية سافرنا وإياهم الى دبي وهذا العام نستعد للتوجه الى مدينة الأحلام ديزني". لا تنسى ليا أن "تخلد ذكرى زوجها في الصلاة كما في التسلية والترفيه وهي التي تحضر لقداس على راحة أنفس شهداء الجيش يحتفل به في الصرح البطريركي في 8 أيلول".

ولأن أبسط ما يفيه حقه هو الإلتزام بنهجه الذي ساهم في إنقاذ الوطن في أصعب اللحظات ورغبة في أن تبقى "شعلة إستشهاده نورا وهداية وطنية للأجيال القادمة" أسست عائلة اللواء الشهيد فرنسوا الحاج المؤسسة التي تحمل إسمه والتي تعني بالمعوقين في الجيش. أبت لودي الحاج "التحدث عنها، هي التي ارادتها "صامتة" كما كان فرنسوا الحاج".

رحم الله فرنسوا الحاج، وكل "الشهداء" الابطال..عسى ألاّ تذهب دماؤهم هدراً وأن يكون استشهادهم ثمنا لنصل الى لبنان الموحد السيد الحر المستقل!

تصوير محمد سلمان وحسين بيضون (الألبوم الكامل هنا)