طرأت معطيات جديدة على الوضع المتحرّك في المنطقة، أضافت الى تأليف الحكومة تعقيداً. هذا التأليف الذي أصبح محصوراً بين خيارين لا ثالث لهما: إمّا اعتذار الرئيس تمام سلام، أو ذهابه الى حكومة لا تحظى بموافقة «حزب الله» الذي يصرّ على مطلب الثلث المعطل.

هذان الخياران ضيّقا الوقت أمام سلام الذي بات يُردّد أنه لن ينتظر كرئيس مكلف إلى ما لا نهاية، وهو ما أبلغه إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، منذ أيام.

ويبدو جنبلاط محرجاً امام هذين الخيارين. فسلام أبلغ إلى وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور قراره عدم الانتظار. وإزاء ذلك، حاول جنبلاط وعلى رغم انشغاله بقضية عائلية طارئة، ثَني الرئيس المكلف عن حشر نفسه بخيار تأليف حكومة، يرى أنها ستكون في مواجهة حتمية مع "حزب الله".

تنطلق مخاوف جنبلاط في رأي العارفين، من أسباب تكتيكية وبعيدة المدى في آن. فهو لا يريد أن يُحشر هو الآخر باختبار فحص النيات في مجلس النواب، إذا ما قدّم سلام تشكيلته الحكومية، لا أمام الرئيس سعد الحريري، ولا في مواجهة السعودية، التي يرى جنبلاط أنها ليست جاهزة للتعامل مع حكومة سلامية، ستُنتج مواجهة مباشرة مع الحزب، لا أحد في الداخل أو الخارج مستعداً لها.

رفضُ جنبلاط حكومة المواجهة يتجاوز تفادي الإحراجات الكثيرة التي تنتج عن حجبه الثقة عنها. فوفقاً لتطوّر الأحداث في المنطقة، الملفات تتسارع، وقد أضيف الى الملف السوري، ملف استعادة التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين، وهذا سيستتبع حكماً بتقارب على مستوى العلاقة بين إيران والقوى الاسلامية، وعلى رأسها "حماس"، لتشكيل محور يهدف الى ضرب هذا التفاوض في مهده، ما يعني تغييراً في الاصطفاف الذي طرأ بعد اندلاع الثورة السورية والذي نزع ورقة "حماس" من إيران، وبالتالي تعزيز دور "حزب الله" وترميم بعض الصورة التي خسرها بعد اشتراكه في الحرب السورية إلى جانب النظام.

وبالفعل بدأ "حزب الله" خطوات لإعادة شدّ علاقته بالفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس"، وعاود تمويل فصائل أخرى في المخيمات وتسليحها، وهذا يندرج ضمن إطار التحضير لإعادة إحياء الحلف المناهض لعملية التسوية، وبالتالي فهو سيترجم لبنانياً بتشدد، لن يكون تأليف الحكومة آخر مطافه.

لا ينظر جنبلاط الى الوضع في المنطقة إلّا بعين القلق. الدور السعودي غير موجود لبنانياً، ربما اقتصر على بعض محاولات لم تنجح، لاستمالة رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون. ولو نجحت جزئياً لخفَّفت من محورية دور جنبلاط، لكنها تصطدم باعتبارات من الجانبين تمنع انتقال عون الى الضفة الأخرى.

لا يزال جنبلاط يراهن على أن سلام لن يقدم على تأليف حكومة من دون موافقة حركة "أمل" و"حزب الله"، وعلى أنه يعي الخطر الذي سينتج عن مثل هذه الحكومة، خصوصاً في ظل الانكشاف العربي والدولي الذي لا يعطي أي فرصة لحماية حكومة من هذا النوع.

مرَّت المحطات الصعبة ولا يزال الكثير منها. التمديد للمجلس النيابي ولقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان وليد سلمان، الذي أراد جنبلاط استمراره في موقعه، وبعد كل محطة كان منسوب التفاؤل يرتفع حيال إمكان تأليف الحكومة.

أما اليوم، فأصبحت ولادة الحكومة امام اختبار من نوع آخر، فإمّا أن يتراجع "حزب الله" عن مطلب الثلث المعطل وهذا مستبعد، أو ان يقبل سلام بتسوية على طريقة الرئيس نبيه برّي، وهذا أيضاً مستبعد، وإمّا أن يعتذر سلام، أو أن يتَّخذ شعار "عليّ وعلى أعدائي" ويرمي في وجه الجميع تشكيلة حكومية، بعد أن يكون صبره قد نفد. يتحسّب جنبلاط للخيار الأخير، لكنه في نهاية المطاف على ثقة بأنّ أحداً في الداخل والخارج ليس جاهزاً لتحمّل عبء هذه المواجهة.